عبدالحق صادق
يقول بعضهم ترامب حلب السعودية، وبعضهم يسميها جزية، وبعضهم يقول لو
أعطت السعودية هذا المبلغ للعرب لهزموا إيران.
والجواب:
بداية ليس من حق من دمروا بلدهم وشردوا شعبهم، ولا يعرفون إلى أي قعر
وصلوا وإلى أي قمة وصلت السعودية، أن يعطوا دروس لآل سعود كيف يحافظوا على أمن
دولتهم، وأين يضعوا أموالهم، الذين أوصلوا بلدهم إلى القمة، وحافظوا عليها طيلة
قرن من الزمن رغم استهدافها من جهات عديدة، وكونها محط أطماع كثير من الطامعين، ومن
شهد لهم كبار ساسة العالم بالحكمة والحنكة، وعليهم أن يتعلموا منهم السياسة والإدارة
والحس الأمني. والمال مالها تضعه حيث شاءت، وليس من حق أحد التدخل في شؤونها، وإلا
عليهم أن يتقبلوا تدخل الآخرين في شؤونهم.
السعودية أعطت العرب والمسلمين، أكثر من هذا المبلغ، ووقفت مع
قضاياهم، ولم ترى من أغلبهم إلا الخذلان والطعن والغدر والحقد والحسد وبعضهم يتمنى
زوالها واحتلالها من إيران. قبل أن ترمم علاقتها المتوترة مع أمريكا، رممت علاقتها
مع تركيا وقطر، وعقدت مع تركيا الصفقات، أملا في سحبهم من حلف إيران، عندها قال
الإخوان ورددت خلفهم الشعوب الملك سلمان هو الفيصل الثاني.
وبادرت بتشكيل التحالف الإسلامي للتصدي للمشروع الإيراني وأدواته من
التنظيمات الإرهابية، وبدأت من اليمن دون استشارة أمريكا، فلم تشارك معها سوى بضع
دول عربية وعلى رأسهم تركيا، ومن شارك معها شارك مشاركة رمزية سوى الإمارات، أما قطر
شاركت للتجسس عليها لصالح إيران، حتى إن أغلب الشعب اليمني وقف ضدها، ومن وقف معها
من أجل الارتزاق، أما حزب الإصلاح من أجل السلب والنهب والتجسس وعرقلة خططها،
وتثبيط معنويات المقاتلين، ما عدا الشرفاء من الشعب اليمني وأغلبهم من السلفيين
وأهل الجنوب. وتبين لها الواقع المر، واتضح أن علاقة تركيا وقطر مع إيران علاقة
أيديولوجية ومشروع مشترك هدفه تدمير الدول العربية وتقسيمها والهيمنة عليها، وهم
الذين يقودون ويمولون التنظيمات الإرهابية أداة المشروع الإيراني الإخواني.
فبادرت السعودية إلى ترميم علاقتها مع أمريكا، وبحنكتها السياسية
المعروفة استطاعت تطوبع الرئيس ترامب الذي صرح تصريحات سلبية ضدها قبل فوزه، وأن
يكون أقرب حليف لها ضد إيران، وأن تكون السعودية وجهته الأولى بعد فوزه. وعقدت معه
الصفقات العسكرية والتنموية والاستثمارية على الملئ، لتحقيق رؤية 20/30. وأفصحت عن
قيمة الصفقات على وسائل الإعلام. فلو كان الأمر مخجل كما صوره سحرة العصر للشعوب
بأنه جزية ودون مقابل هل ستعلنه بكل هذه الشفافية والوضوح؟؟!!!
إنني لا ألوم الإخوان حلفاء نظام الخميني، بقدر ما ألوم الشعوب وخاصة
المثقفين وأصحاب الشهادات العليا، الذين سلموا عقولهم لهم. ولم يفكروا أن الصين
الدولة العظمى الشرقية، هي أكبر مستثمر في السندات الأمريكية. وأن هذه الأموال ثمن
أمنها ونهضتها، وحماية مقدسات المسلمين، والحفاظ على ثرواتها ومقدراتها التي
يستفيد منها أغلب العرب والمسلمين، وثمن أمن العرب والمسلمين لأنها العمود الفقري
للعرب والمسلمين، فلو سقطت بيد إيران ستسقط جميع الدول العربية والإسلامية. والأمن
لا يقدر بثمن، فالصحيح أن يلتف حولها العرب والمسلمين ويحمونها، لأهمية وجودها، لا
أن يطلبوا منها أن تقاتل نيابة عنهم، حتى يتم تدميرها كما دمروا بلدانهم، معروف في
الحروب أن القائد يبقى في مكان محصن يدير المعركة لأهمية وجوده.
أمريكا أقوى وأغنى دولة في
العالم عندما تريد أن تحارب تشكل تحالف ولا تحارب بمفردها، فلو كان التحالف فيه
عار لما شكلته، والتحالفات موجودة منذ القدم، وأقرها الإسلام، ففرح الصحابة بنصر
الروم على الفرس وسميت سورة باسم الروم.
سأفرض جدلاً أنها دفعت 400 مليار من أجل حمايتها لمدة عشر سنوات، مثلما
يتم استئجار الشركات الأمنية، أي في السنة 40 مليار، ماذا يشكل هذا المبلغ مقابل
المكاسب التي تحققها في هذه الظروف الصعبة والمخاطر التي تحيق بها. كم كلفة الحرب وانعدام
الأمن في سوريا والعراق واليمن والصومال وليبيا. الحقيقة لا يقدر بثمن مادي، لأن
الثمن كان مقتل وجرح وتشريد الملايين، وضياع أجيال من الأطفال والشباب، وأعراض
انتهكت، ودين شوهت صورته، وفكر وثقافة منحرفة متطرفة، وتدمير حضارة تم بناؤها خلال
قرون.
السعودية تعتبر أمريكا صديق وحليف ومن الطبيعي التحالف مع الأصدقاء.
لكن من العار والخسة والدناءة وعدم الشرف أخذ الدعم دون مقابل ممن يعتبرونهم أعداء ومتآمرين
وخونة، ومن قلة المروءة والشهامة التنكر لهذا الدعم، والمصيبة أن تخوين السعودية
والطعن فيها يأت من هؤلاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.