الاثنين، 14 أبريل 2014

الأربعاء، 9 أبريل 2014

لقاء فتح الله كولن مع جريدة الشرق الاوسط


الداعية التركي أكد لـ “الشرق الأوسط” أن هناك ما يكفي من المساجد.. وليس من المدارس.
في الجزء الأول من الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» مع السيد فتح الله غولن، العالم الإسلامي التركي، يتطرق غولن إلى حركة «حزمت» والحظر الذي فرضته الحكومة التركية على المدارس التحضيرية الخاصة والمذهب الحنفي والعلاقة بين الإسلام والسياسة والنظام الديمقراطي.
على مدى السنوات العشر الماضية، إلى أن اندلعت احتجاجات متنزه غيزي في إسطنبول خلال مايو (أيار) الماضي، أشاد كثيرون بنظام تركيا الديمقراطي، والعلماني بمجمله، كنموذج يحتذى به في دول الشرق الأوسط ذات الغالبية المسلمة.
نسب الكثير من الفضل إلى رجب طيب إردوغان، زعيم حزب العدالة والتنمية ومؤسسه، الذي منذ تسلمه منصب رئيس الوزراء عام 2003، وجدت تركيا الاستقرار اللازم لترويض التضخم الاقتصادي المزمن وإعادة تشكيل نفسها كقوة اقتصادية في المنطقة. كذلك غاب تهديد شبح تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية للبلاد تحت راية الدفاع عن دولة أتاتورك العلمانية، وتحقق تقدم ملموس في عملية السلام مع الأكراد. وفي سعيها إلى الانضمام إلى أسرة الاتحاد الأوروبي تمكنت تركيا تحت إشراف مجموعة من الوزراء النشطين الذين توالوا على تولي حقيبة الخارجية من إجراء إصلاحات مهمة، بينما فتحت خيارات دبلوماسية أخرى في وجه تشكيك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
غير أن «شهر العسل» التركي بلغ نهايته، وبات إردوغان نفسه اليوم في قلب العاصفة، إذ يتهمه معارضوه بالخضوع لغطرسة السلطة وبتطبيق أجندة تهدف إلى «أسلمة» تركيا. وما زاد في تفاقم الموقف هو تعامل إردوغان العنيف مع المتظاهرين وسلسلة تحقيقات الفساد الأخيرة التي طالت وزراء من حزب العدالة والتنمية، وحتى إردوغان نفسه والمقربين من عائلته.
بالنسبة لقيادات حزب العدالة والتنمية والكثير من المراقبين في تركيا فإنهم يزعمون أن أنصار السيد فتح الله غولن، العالم الإسلامي التركي الشهير الذي يعيش في منفاه الاختياري في ولاية بنسلفانيا الأميركية، هم وراء الادعاءات والتسريبات المجهولة للتسجيلات الصوتية التي تهدف إلى تجريم رئيس الوزراء. كما يتهم إردوغان غريمه غولن بتأسيس «دولة موازية» وباختراق جهازي الشرطة والقضاء، الأمر الذي أنكره غولن علنا. وأخيرا أقدمت الحكومة التركية على نقل مئات من رجال الشرطة، ودفعت بقوانين جديدة لمراقبة شبكة الإنترنت وضبط سير القضاء. وخلال الشهر الفائت أقر مشروع إغلاق المدارس التحضيرية الخاصة المعروفة باسم «ديرشانس»، التي تعود إدارة الكثير منها إلى حركة «حزمت» التي يقودها غولن على الرغم من المعارضة الواسعة التي واجهها القرار في العام الماضي.
يعتقد منتقدو غولن أن حركة «حزمت» التي تدير أكثر من 2000 مؤسسة تعليمية خاصة في 160 دولة حول العالم تطبق جدول أعمال سريا هدفه «أسلمة» تركيا، إلا أن كثيرين يعتقدون أن ليس للحركة أي تنظيم أو عضوية رسمية، وأن غولن كان لفترة طويلة، وما زال لتاريخه، من المدافعين عن قيم السلام والتسامح والأنسنة والعلوم، بالإضافة إلى كونه معلما معتدلا للمذهب السني الحنفي وليس للإسلام السياسي.
“الشرق الأوسط» التقت غولن عشية الانتخابات البلدية في تركيا التي تعد مؤشرا مهما للانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها خلال الصيف المقبل والانتخابات النيابية المزمع عقدها العام القادم. وفي ما يلي نص اللقاء:
س: هل تنظرون إلى ملايين الأتباع ومئات المدارس التي أنشأوها في جميع أنحاء العالم كحركة واحدة؟
هؤلاء الناس قد التقوا–بشكل طوعي–حول مشاريع وجدوها معقولة ومنطقية ومفيدة لكل الناس. ومع أن الحركة تستهدي بقيم الإسلام، فإن مشاريعها التي يعكف عليها المتطوعون العاملون في إطارها متماشية مع القيم الإنسانية الهادفة إلى تعزيز الحريات الفردية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي بين جميع الفئات.
ج: شخصيا، لا أرى من المناسب تسمية هؤلاء بـ«الأتباع»، سواء لي أو لأي شخص آخر. لذلك، فقد أكدت مرارا أنه يؤلمني كثيرا نسبة الناس إلى شخصي الضعيف وإلحاقهم بي تحت عناوين مختلفة كـ«الفلانيين» و«العلانيين». كما أريد أن أؤكد أن هؤلاء الناس قد التقوا–بشكل طوعي–حول مشاريع وجدوها معقولة ومنطقية ومفيدة لكل الناس. ومع أن الحركة تستهدي بقيم الإسلام، فإن مشاريعها التي يعكف عليها المتطوعون العاملون في إطارها متماشية مع القيم الإنسانية الهادفة إلى تعزيز الحريات الفردية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي بين جميع الفئات. ومن ثم وجدت ترحيبا في 160 دولة حول العالم، ولقيت قبولا صريحا أو ضمنيا مباشرا أو غير مباشر من جنسيات ودول وأديان مختلفة. لذلك من الصعب القول إن المتطوعين في الحركة يشكلون بنية متجانسة، بل هي بنية متنوعة. ولا تقتصر حالة التنوع هذه لدى الناشطين في الحركة على القيم فحسب، وإنما تمتد لتشمل تعاطفهم أو مشاركتهم في مشاريعها، فبينما يعمل البعض معلمين في مدارس بالخارج، يقوم آخرون بالتكفل بالنفقات أو يخصصون جزءا من أوقاتهم للخدمات التطوعية، وما إلى ذلك.
إذن هم أفراد–من مختلف الجماعات العرقية والدينية والسياسية–التقوا طوعا على قيم إنسانية سامية مشتركة، كالحريات، وحقوق الإنسان، واحترام المعتقدات، وتقبل الآخر، والانفتاح على الحوار، وتنزيه الدين عن الأغراض السياسية الحزبية الضيقة، واحترام القانون، ورفض استغلال إمكانيات الدولة استغلالا سيئا، وضرورة المحافظة على المسار الديمقراطي، ورفض استخدام السلطة لإكراه الأفراد والمجتمعات على معتقدات معينة، والثقة بالمجتمع المدني، وتوظيف التعليم لإحلال ثقافة السلام في المجتمعات، وابتغاء مرضاة الله في كل قول وفعل، ومحبة الخلق من أجل الخالق، وتعزيز منظومة القيم الأخلاقية لدى الأفراد بغض النظر عن قيمهم الدينية أو غير الدينية.
هؤلاء الأفراد أطلقت عليهم عدة أسماء عليهم كـ«الجماعة» و«الخدمة» و«الجامعة»، ومع أن هذه الأسماء لا تعبر عن المعنى الذي يمثلونه بشكل وافٍ فإن مصطلح «جامعة» باللغة التركية، الذي يعني مجتمعا كبيرا من الأفراد، هو الأنسب. كذلك أستطيع القول إن هؤلاء الناس–الذين تجمعهم القيم السابقة مع تنوعهم–يتمتعون بوحدة روحية ووعي جماعي بحيث لا يمكن لأي جهة خارجية التلاعب بهم بهدف خرق القيم الآنفة الذكر.
س: ما رأيكم في الخطوة التي اتخذتها الحكومة التركية حول حظر المدارس التحضيرية الخاصة؟
إن إغلاق هذه المدارس، التي لم تخرق القانون والقيم الأخلاقية يوما ما، ولم تخالف مبادئ الديمقراطية والقيم الكونية، ومن دون طلب من الرأي العام أو حتى مناقشة قرار الإغلاق نقاشا مجتمعيا كافيا، سيؤدي بالضرورة إلى إهدار كل المكتسبات التي تحققت حتى اليوم.
ج: أولا، يجب القول إن المدارس التحضيرية ظهرت نتيجة للكثير من جوانب القصور في النظام التعليمي التركي. هذه المدارس مؤسسات خاصة يديرها أناس ملتزمون بالقانون، ومؤسسة طبقا لمبادئ الحريات الخاصة التي كفلها الدستور.
ثانيا، هذه المدارس لا تتبع «الخدمة» بشكل مباشر، وإنما تدار عن طريق عدد من شركات القطاع الخاص التي يملكها رجال أعمال يؤمنون بأفكار «الخدمة». وتخضع هذه المدارس لرقابة الدولة من حيث مواردها المالية والمقررات الدراسية. وهي تسدد الضرائب المستحقة عليها للدولة، شأنها شأن المؤسسات الأخرى. بالإضافة إلى أن هذه المدارس المحسوبة على «الخدمة» تمثل نسبة صغيرة فقط من عموم المدارس التحضيرية في تركيا. والحاصل أن نظام التعليم يعاني من مشكلات جذرية لم يجرِ اتخاذ أي خطوات جدية حيالها، ومن ثم فلا يمكن اعتبار محاولة إغلاق هذه المدارس جهدا صادرا عن حسن نية. ثم إن هذه المدارس منذ عقود وهي تلبي حاجة ملحة لدى الطلبة في مجالي الرياضيات والعلوم على وجه الخصوص، بناء على طلب أولياء الأمور في إطار القوانين المرعية، وبالتالي فإغلاقها بقوة الدولة يشكل ضربة لقطاع النشاط الحر، وحرمانا للطلاب من الحصول على تعليم أفضل.
ومن جهة أخرى، فالقائمون على التعليم في هذه المدارس يمتثلون للمبادئ الأساسية لفكرة «الخدمة» مثل الإيجابية والاستقامة والصدق والعمل الجاد واحترام الآخر.. الأمر الذي يترك أثرا إيجابيا لدى طلابهم. ومن ثم نستطيع أن نقول إن هذه المدارس قد نجحت–بإذن من الله وعنايته ولطفه–في مكافحة العادات السيئة لدى هؤلاء الطلاب، مثل التدخين، وإدمان الكحول، وحتى تعاطي المخدرات، التي تعد من التحديات الكبيرة التي تواجهها المدارس الحكومية في تركيا.
إن إغلاق هذه المدارس، التي لم تخرق القانون والقيم الأخلاقية يوما ما، ولم تخالف مبادئ الديمقراطية والقيم الكونية، ومن دون طلب من الرأي العام أو حتى مناقشة قرار الإغلاق نقاشا مجتمعيا كافيا، سيؤدي بالضرورة إلى إهدار كل المكتسبات التي تحققت حتى اليوم.
س: نفيتم دائما وجود أي طموحات سياسية لديكم، ولكن هل ترون أن وجود مؤيدين لكم داخل أجهزة الدولة التركية يصب في صالحكم؟
المتعاطفون مع أفكار «الخدمة» اليوم لا شك أنهم موجودون داخل السلك البيروقراطي في الدولة، شأنهم شأن بقية شرائح المجتمع الحاملة لأفكار أخرى. ومن ثم فليست انتماءاتهم مدونة على جباههم، وبالتالي فإن محاولة تصنيفهم في تقارير أمنية حسب تعاطفهم أمر غير قانوني وغير أخلاقي على حد سواء.
ج: أولا، لا بد من التنويه بأن «الخدمة» منذ نشأتها لم تسعَ إلى تحقيق أي أهداف سياسية، بل سعت إلى خدمة الإنسان من خلال تنميته في المجالات التعليمية والاجتماعية والثقافية، واستثمرت كل وقتها وطاقتها في سبيل تحقيق هذه الغاية. وتصدت لحل المشكلات الاجتماعية انطلاقا من الإنسان عن طريق التربية والتعليم.
لقد ذكرت–أنا الفقير–في خطبي أن لدينا ما يكفي من المساجد–التي كان أغلبها فارغا في ذلك الوقت–ولكن ليس لدينا ما يكفي من المدارس، ولذا حضضت الناس على فتح المدارس لسد هذه الثغرة. ولو كان لدينا أي هدف سياسي لكانت قد ظهرت بوادره خلال السنوات الـ40 أو 50 الماضية كإنشاء حزب سياسي مثلا. ولقد عرض علي وعلى الكثير من إخواني في أوقات مختلفة الكثير من المناصب السياسية، لكننا رفضناها جميعا. ثم بإمكان «الخدمة»–لو كان لديها طموحات سياسية–أن تؤسس حزبا سياسيا كما فعل الآخرون، وتستثمر الظروف المواتية عام 2001م في وقت كانت الأحزاب الأخرى تتهاوى واحدا تلو الآخر.. أو على الأقل لكان لها عدد لا بأس به من المؤيدين داخل الأحزاب السياسية التي حكمت في الماضي أو الحزب الذي يحكم الآن، ولكنها لم تفعل ولم ترغب في ذلك أيضا. فحتى وقت قريب، وكما هو معلوم للعموم، لم يكن هناك سوى اثنين فقط داخل البرلمان كأعضاء من أبناء «الخدمة».
ثم أنا شخصيا لا أتبنى قناعة ممارسة السياسة باسم الدين أو توظيف الدين لتحقيق مكاسب سياسة أو ممارسة السياسة بشعارات دينية، مع أن هذا لا يعني أنني أرى أن الانخراط في مجال السياسة أمر غير مشروع. فمع أننا لا نشارك في السياسة ولا ننشئ حزبا سياسيا، لا نرى منع أحد من القيام بذلك، لأنه في الديمقراطيات لا يمكن ممارسة السياسة من دون أحزاب. طبعا «الخدمة» ليس عندها هدف سياسي بمعنى تأسيس حزب، بيد أن القيم والمبادئ التي حاولت توضيحها في صدد ردي على أحد أسئلتك السابقة، والتي تشكل الديناميكية الأساسية لـ«الخدمة»، لا بد أنها تتلامس مع السياسة.
وأفراد «الخدمة» باعتبارهم مواطنين كان وما زال لهم مطالب من المؤسسات السياسية، شأنهم في ذلك شأن نظرائهم من المواطنين العاديين أو التربويين أو كل ناشط مجتمعي. ولقد كانت هذه المطالب دائما تدور في إطار القوانين المرعية وتطلب عبر السبل والطرق المشروعة. ولم يحاولوا البتة اللجوء إلى أي وسيلة غير قانونية أو غير أخلاقية لتحقيق هذه المطالب.
وبطبيعة الحال، يتوقع المواطنون الذين تعلقت قلوبهم بـ«الخدمة» من المسؤولين في السلطة الحاكمة السعي إلى تعزيز سيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات والسلام وحرية الفكر وبناء المشاريع ودعم الاستقرار والأمن في البلاد، وكذلك الحؤول دون الانزلاق إلى الفوضى أو حدوث الأزمات، والتأكيد على تقبل الجميع كيفما كانوا. ويحق لهؤلاء الناشطين في «الخدمة» الاحتكام إلى الوسائل المدنية والديمقراطية المتاحة لهم للإفصاح عن آرائهم حول أوجه القصور في هذا الصدد حال وجودها. إن التعبير عن الآراء في هذا الصدد ورفع مستوى الوعي العام واجب وطني، وواحد من أهداف المجتمع المدني أيضا. ولا يلزم بالضرورة تأسيس حزب سياسي من أجل إنجاز هذه المهمة. كما لا يمكن اتهام هؤلاء الذين يقومون بهذه المهام بأنهم يقتحمون السياسة أو يريدون تقاسم السلطة أو يعملون على تدخل غير المنتخبين في عمل المنتخبين ديمقراطيا.. وما ذكرناه آنفا هو ما عليه الحال في أي نظام ديمقراطي حقيقي، وفي أي دولة من دول العالم المتقدم من حيث الديمقراطية.
إن كان هناك أشخاص داخل مؤسسات الدولة، بدلا من الانصياع لأوامر رؤسائهم أو لوائح القوانين، يتلقون الأوامر من جماعتهم التي ينتسبون إليها أو يميلون نحوها فكريا، فلا بد من أن يكشف أمرهم وينالوا العقاب اللازم بهم حتى وإن ادعوا أنهم يعملون لصالحي. وإن كان هناك من يرتكب الجرائم من العاملين في الشأن العام ممن يدعون التعاطف مع حركة «الخدمة»، فينبغي أن تبدأ التحقيقات معهم بسرعة وأن يحالوا للعدالة.
إن وجود الأحزاب السياسية وإجراء الانتخابات الحرة شروط أساسية للنظام الديمقراطي، ولكنها لا تكفي بمفردها، لأن الأداء الفعال والسلس للمجتمع المدني هو أمر مهم كذلك. ومن الخطأ القول إن الانتخابات هي الطريقة الوحيدة لمساءلة الساسة أمام عامة الناس، ذلك أن المجتمع المدني عليه مراقبة السلطة الحاكمة ليرى ما إذا كانت تفي بوعودها أم لا، وذلك من خلال الإعلام والنشاطات المجتمعية المختلفة وفعاليات كثيرة أخرى في إطار القانون، مثل عرائض الاكتتاب ورسائل شبكات التواصل الاجتماعية. وعلى الرغم من أن نشطاء «الخدمة» التقوا على مبدأ رفض الانخراط في السياسة الحزبية وتجنب السعي نحو السلطة، فهذا لا يعني أن يتخلوا كمجتمع مدني عن مسؤوليتهم وصلاحيتهم في مساءلة السلطة السياسية ورقابتها. وبما أن «الخدمة» ليست تكوينا بنيويا ولا تنظيما مركزيا هرميا، ليس هناك وجهة نظر سياسية واحدة يتبناها جميع المشاركين فيها، كذلك ليس من المعقول القول إن حركة كهذه منحازة إلى حزب بعينه، فضلا عن أن تكون منخرطة فيه. فللمتعاطفين معها اختياراتهم السياسية الخاصة، ولا تفرض الحركة أي وجهة نظر معينة عليهم، ولا تتدخل في هذا الموضوع على الإطلاق.
ثم إن جدول أعمال «الخدمة» لا يتحدد وفق التغيرات الانتخابية والسياسية، بل حسب المشاريع التي تدور في فلك القواسم الإنسانية المشتركة. كذلك، لا تتدخل الحركة في الشؤون الداخلية أو التطورات السياسية في أي بلد نهائيا، فحيثما تتجه تركز جهدها على تنفيذ مشاريع مدنية تطوعية في مجالات تعليمية وثقافية وإنسانية. ولكونها تتمسك بهذا المبدأ ولا تفرط فيه، تراها اليوم تحظى بقبول لأنشطتها في أكثر من 160 بلدا حول العالم.
والمتعاطفون مع أفكار «الخدمة» اليوم لا شك أنهم موجودون داخل السلك البيروقراطي في الدولة، شأنهم شأن بقية شرائح المجتمع الحاملة لأفكار أخرى. ومن ثم فليست انتماءاتهم مدونة على جباههم، وبالتالي فإن محاولة تصنيفهم في تقارير أمنية حسب تعاطفهم أمر غير قانوني وغير أخلاقي على حد سواء. وأيضا فهؤلاء الموجودون داخل السلك البيروقراطي ممن يقال إنهم متعاطفون مع الحركة يخضعون خضوعا صارما للقوانين واللوائح المنظمة لشؤون العمل داخل المؤسسات التي يعملون بها، ويمتثلون لأوامر رؤسائهم في مجال أعمالهم، أي أن واجباتهم محددة حسب القوانين. وإذا كان الأمر كذلك فلا أدري كيف يمكن أن يحقق هذا امتيازا أو مصلحة لشخص أو فئة ما.
وهنا أريد أن أكرر التأكيد على نقطة هامة: هي أن في أجهزة الدولة قد يكون هناك من هم متعاطفون معي أو مع أي شخص آخر أو مع حركة فكرية أو آيديولوجية ما، وهذا أمر طبيعي تماما. فليس لأحد التدخل في قناعات الآخرين الشخصية أو معتقداتهم أو نظرتهم إلى العالم، والمتوقع ممن يتخرجون من مدارس «الخدمة» أو ممن يتعاطفون مع المثل العليا التي تدعمها الحركة أن يتصرفوا بصدق واحترام تجاه سيادة القانون وحقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، أيا كانت المناصب التي يشغلونها في الدولة. ومن ثم إن كان هناك أشخاص داخل مؤسسات الدولة، بدلا من الانصياع لأوامر رؤسائهم أو لوائح القوانين، يتلقون الأوامر من جماعتهم التي ينتسبون إليها أو يميلون نحوها فكريا، فلا بد من أن يكشف أمرهم وينالوا العقاب اللازم بهم حتى وإن ادعوا أنهم يعملون لصالحي. وإن كان هناك من يرتكب الجرائم من العاملين في الشأن العام ممن يدعون التعاطف مع حركة «الخدمة»، فينبغي أن تبدأ التحقيقات معهم بسرعة وأن يحالوا للعدالة.
إن موقف الحركة من الشفافية والمساءلة واضح، وسيظل كذلك. ومع هذا فإن الأنظمة السياسية المبنية على مبدأ الشفافية التامة هي وحدها التي تستطيع أن تطالب المجتمع المدني بأن يتحلى بمثل هذه الشفافية أيضا. أما مطالبة الآخرين بأن يكونوا في منتهى الشفافية في حين أنهم لا يتخذون إجراءات تتعلق بالشفافية في السلطة والسياسة، فهذا أمر لا يمت إلى المصداقية بصلة. وإن موجات التقارير الأمنية وعمليات التنصت على المكالمات الهاتفية وإجراءات التصفية في المؤسسات البيروقراطية خير شاهد على ما أقول، فلقد جرى نقل آلاف المسؤولين من مواقعهم من دون أي تحقيقات عقب فضيحة الفساد في السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، ولا يزال حتى الآن مجهولا لدى الناس كل المعايير التي تستند إليها الحكومة في إجراءات الطرد والتشريد والإبعاد لهؤلاء الموظفين من أماكنهم وتعيين آخرين بدلا منهم، لذا فإن العملية برمتها تعطي انطباعا عن كونها تعسفية.
س: هل تعتقدون أنه يجب إعطاء مساحة أكبر للإسلام في المجال العام والحياة السياسية؟
إذا كان المسلمون في بلد ما يمارسون شعائرهم الدينية بحرية، ويتمكنون من إنشاء مؤسساتهم الدينية بلا عوائق، ويستطيعون أن يلقنوا قيمهم الدينية لأبنائهم ولمن يرغب في تعلمها، ولديهم الحرية الكاملة في التعبير عنها في النقاشات العامة، ويعلنون عن مطالبهم الدينية في إطار القانون والديمقراطية، فإن حاجتهم إلى إقامة دولة دينية أو «إسلامية» لا تعود ضرورية.
ج: الإسلام–كدين–هو مجموعة من المبادئ والممارسات التي تستند إلى الوحي الإلهي، وترشد البشر إلى الخير المطلق من خلال إرادتهم الحرة، وتبين لهم كيف يسعون جاهدين ليجعلوا من أنفسهم «أشخاصا أقرب إلى الكمال». يمكن للناس أن يمارسوا دينهم بالطريقة التي يشاءون في بلد ديمقراطي يتيح لهم التمتع بمعتقداتهم الدينية بحرية. في بلد كهذا، تجرى الانتخابات الحرة بما يتوافق والمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان العالمية والحريات، وبمقدور الناس التعبير عن اختياراتهم عبر الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، وتقديم مطالبهم لممثليهم بحرية تامة واستخدام الحقوق الديمقراطية الأخرى المتاحة لهم. يتاح لهم ذلك بشكل فردي أو جماعي من خلال المشاركة في أنشطة منظمات المجتمع المدني.
إنني أرفض دائما فكرة التعامل مع الدين باعتباره آيديولوجيا سياسية (politic). كما أرى أن على المسلم أن يتصرف وفقا للأخلاق الإسلامية سواء في البعد المدني والمجتمعي، أو في الشأن العام والمجال الإداري، أي عليه الالتزام بقيم الإسلام الأخلاقية في كل مكان يوجد فيه، فالسرقة والرشوة والنهب والكسب غير المشروع والكذب والنميمة والغيبة والزنا والانحطاط الأخلاقي هي ذنوب وأمور غير شرعية في كل السياقات. ولا يمكن ارتكاب هذه المعاصي لأي غرض كان، سياسيا أو غيره، ولا يصح لأحد الإفتاء بارتكابها. ثم إن هذه المعاصي تعتبر جنايات حتى في إطار المعايير المتعارف عليها عالميا. وإذا ما فقد الفرد نزاهته الأخلاقية في هذا الجانب يغدو دوره في الشأن العام أو في أي حزب سياسي عديم الجدوى.. وكأي إنسان عادي، يسعدني أن أرى هذه المبادئ الأخلاقية وقد تحولت إلى سلوك لدى جميع من يشغلون مناصب في الشأن العام أو في المجال السياسي. في الواقع إن المشكلات المذكورة أعلاه هي المصدر الرئيس للشكاوى في المؤسسات الإدارية والسياسية في كل مكان حول العالم.
وفي هذا السياق اسمح لي أن أقول بكل وضوح: إذا كان المسلمون في بلد ما يمارسون شعائرهم الدينية بحرية، ويتمكنون من إنشاء مؤسساتهم الدينية بلا عوائق، ويستطيعون أن يلقنوا قيمهم الدينية لأبنائهم ولمن يرغب في تعلمها، ولديهم الحرية الكاملة في التعبير عنها في النقاشات العامة، ويعلنون عن مطالبهم الدينية في إطار القانون والديمقراطية، فإن حاجتهم إلى إقامة دولة دينية أو «إسلامية» لا تعود ضرورية. والتاريخ يشهد على أن حركات التمرد والثورات والانقلابات وأحداث العنف دائما ما تجر البلاد إلى الفوضى والمآسي، وتفقدها في نهاية المطاف كل مكتسباتها في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتكبد الشعوب أضرارا وخسائر لا يمكن تلافيها. والحقيقة أنه إذا وقعت السيطرة على سلطة بلد ما قسرا وأجبر الناس على التدين فإن هذا الوضع سيجعل منهم منافقين، يراءون السلطة داخل بلدهم ويتظاهرون بالتدين لتحقيق منافع شخصية، ولكن ما إن يسافروا إلى الخارج حتى ينغمسوا في حياة مناقضة للدين ومفتوحة على ألوان شتى من الذنوب والآثام. في مثل هذا البلد يضعف احترام القانون وينتشر النفاق والرياء. وإن نظرة فاحصة لتجارب متنوعة في بلدان مختلفة ستدلك على أن كلماتي المجردة هذه لها في الواقع ما يؤازرها.
س: كيف ترون العلاقة بين الإسلام والديمقراطية في تركيا؟ وما تأثير تلك العلاقة على محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟
من الخطأ أن ننظر إلى الإسلام وكأنه متعارض مع الديمقراطية، بل العكس هو الصحيح. ويمكن القول إن الديمقراطية هي النظام الأنسب لمبادئ الحكم في الإسلام لكونها تتيح الفرصة للناخبين أن يحاسبوا الحكام المنتخبين ويسائلوهم، ولكونها نقيضا للاستبداد الذي يعتبره الإسلام شرا وفسادا في الحكم. فليس للإسلام مشكلة مع الانتخابات الديمقراطية والمساءلة وسيادة القانون وغيرها من المبادئ الديمقراطية الأخرى.
ج: نظام الحكم القائم في تركيا منذ الخمسينات هو نظام ديمقراطي على الرغم من كل ما يعانيه من تعثرات، فالديمقراطية هي نظام يتجه إليه العالم اليوم.
لقد بدأت البوادر الأولى نحو نقل بلادنا إلى الديمقراطية منذ أواخر الدولة العثمانية عام 1876م من طرف السلاطين العثمانيين، الذين كانوا في الوقت نفسه خلفاء العالم الإسلامي، وشكل النواب من غير المسلمين في أول برلمان منتخب ديمقراطيا نسبة الثلث تقريبا. ولذا فمن الخطأ أن ننظر إلى الإسلام وكأنه متعارض مع الديمقراطية، بل العكس هو الصحيح. ويمكن القول إن الديمقراطية هي النظام الأنسب لمبادئ الحكم في الإسلام لكونها تتيح الفرصة للناخبين أن يحاسبوا الحكام المنتخبين ويسائلوهم، ولكونها نقيضا للاستبداد الذي يعتبره الإسلام شرا وفسادا في الحكم. فليس للإسلام مشكلة مع الانتخابات الديمقراطية والمساءلة وسيادة القانون وغيرها من المبادئ الديمقراطية الأخرى. وعندما صرحت عام 1994م بأنه «لا ينبغي التراجع عن الديمقراطية»، قوبلت هذه التصريحات بالاعتراض من بعض الفئات. والحقيقة أن هناك الكثير من التطبيقات والأنماط للديمقراطية، التي وإن كان لا يمكننا القول إنها بلغت حد الكمال، فهي في طريقها إلى الاكتمال.
إن البلد الذي يجري فيه حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، ولا تقيد فيه حقوق الأفراد وحرياتهم إلا في الحالات الاستثنائية القصوى كالحروب مثلا، وتعامل فيه الأقليات بالتساوي مع باقي المواطنين، ولا يتعرضون لأي تمييز، ويتاح للجميع التعبير عن وجهات نظرهم الشخصية والاجتماعية والسياسية بكل حرية والعمل بها، هو بلد مناسب للإسلام. وإذا كان الناس في بلد كهذا يمكنهم التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم بحرية ويؤدون واجباتهم وشعائرهم الدينية، ويتمتعون بحريات مثل الملكية الخاصة، فليسوا مطالبين–مسلمين كانوا أو أتباع ديانات أخرى–بتغيير نظام الحكم في ذاك البلد. أما البلدان التي لا يتمتع فيها الناس بهذه الحريات، فعليهم أن يحاولوا الحصول عليها من خلال وسائل ديمقراطية من دون اللجوء إلى العنف بتاتا.
أعتقد أنه بإمكان الإسلام والديمقراطية أن يتعايشا سلميا، ليس فقط في تركيا، بل أيضا في البلدان المسلمة الأخرى، وفي البلدان ذات الأغلبية والكثافة الإسلامية. وللأسف، يلاحظ أنه في البلدان التي يصار فيها إلى «شيطنة» الديمقراطية تكثر انتهاكات حقوق الإنسان والاضطرابات الأخلاقية والقانونية والنزاعات والصراعات الدينية والعرقية. إن الديمقراطية حاليا تتطور لتصبح–إن جاز التعبير–عرفا وقيمة مشتركة للجنس البشري بأكمله. في البلدان التي تتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي، يحق للمسلمين من خلال مؤسسات المجتمع المدني ممارسة دينهم وتطبيقه وتمثيله، بل ونشره وتعليمه أيضا. ومن ثم فإن وظيفتنا الأساسية ممارسة قيمنا الإسلامية، ونتمثلها حية سواء كنا أفرادا أو مجتمعا مدنيا.
لا يمكن وصف تركيا بأنها دولة ديمقراطية بشكل كامل. المتدينون الذين كانوا يتعرضون للاضطهاد في الماضي، مثل الطالبات اللواتي منعن من ارتداء الحجاب في الجامعات، نالوا أخيرا الكثير من حقوقهن نتيجة لمساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فإن عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عادت بالكثير من الفوائد على تركيا من هذه الجهة. وجرى إدخال إصلاحات ديمقراطية جدية للبلاد في إطار هذه المساعي. وإذا ما استمرت هذه الإصلاحات واستطاع النظام الديمقراطي في تركيا تحقيق معايير الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والحريات، باعتقادي لن تقف هوية تركيا المسلمة حجر عثرة أمام عضويتها الكاملة. وحتى لو سعى متعصبون كارهون للإسلام في أوروبا لمنع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فإن المكاسب التي حققتها تركيا أثناء محاولتها الحصول على العضوية تبقى انتصارا مهما للديمقراطية فيها، إلا أن تركيا مع الأسف قد بدأت مؤخرا تتراجع عن تحقيق تلك المعايير الديمقراطية للاتحاد الأوروبي.
س: ما هو معنى «الإسلام الحنفي» برأيكم؟
ج: لا يجوز استخدام هذا التعبير ولا يمكن قبوله إطلاقا، لا بحق المذهب الحنفي ولا غيره من مذاهب الفقه الإسلامي الأخرى. فالمذاهب تجتهد–وفق المنهج الذي تتبعه–في جوانب الإسلام القابلة للاجتهاد، دون أصوله وأساساته وثوابته. وقد تتفق أو تتعارض تفاسير أي من هذه المذاهب بعضها مع بعض، لكنها ما لم تتعارض مع روح الإسلام والمبادئ الأساسية للقرآن والسنة، فهي تبقى داخل دائرة الإسلام. ولا يخفى أن اجتهادات أئمة المذاهب تأثرت بالبيئة المحيطة بها وقتها، كما كان للظروف السياسية والثقافية–أيضا–تأثير على هذه الاجتهادات. ويبقى القول إن كلا من الأئمة الأربعة للمذاهب الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية (رضي الله عنهم جميعا) كانوا مخلصين، وكرسوا حياتهم للإسلام وعانوا كثيرا من المشكلات والصعاب في سبيل خدمة هذا الدين. لذلك خرجت هذه الاجتهادات الفقهية بفضل جهودهم وجهود طلابهم، وعليه ينبغي النظر إلى تلك الجهود باعتبارها من عناصر الثراء والغنى في التصور الإسلامي. وأنا الفقير أيضا أحاول أن أسير على نهجهم، هذا النهج الذي يمكن تلخيصه على النحو التالي: تقديم حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال على تقديس الدولة، وامتلاك الإنسان لحرية الاختيار وحرية المبادرة، والاعتراف بدور العقل والمصلحة العامة وحتى التجربة المجتمعية إلى جانب النقل في فهم الوحي الإلهي، وتفعيل مؤسسة الاجتهاد في المجالات الدينية القابلة للتأويل والاجتهاد، دون النصوص الصريحة، ثم السعي إلى ترسيخ حرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسماح للمتدينين بالتعبير عن شعائرهم الدينية بكل حرية وممارستها، ليس على المستوى الفردي فحسب، بل في المجالات والأماكن العامة أيضا، واحترام القانون والنظام والأمن والاستقرار، واعتبار الإرهاب وقتل الأبرياء جريمة ضد الإنسانية، والترويج لروح المنطق والعقل باعتباره وسيلة لإقناع المتحضرين بدلا من الإكراه، والوعي بأن 98 في المائة من الإسلام عبارة عن روح ومعنى وأخلاق وآخرة وعبادة وعبودية وكمالات وتسامح وسلوك وتحبيب وتبشير.
ومن وجهة نظر سوسيولوجية هكذا فهم الإسلام ومورس في الأناضول منذ أكثر من ألف سنة. إن هذا التصور عن الإسلام يتحدى كل أشكال العنف والتطرف ومحاولات تسييس الدين، كما يعزز الحب والتسامح والقبول المتبادل والتواضع ونكران الذات وسعة الصدر واحتضان الجميع. وهو أيضا يعطي الأولوية للحق والعدل والحرية والسلام في المجالين الاجتماعي والعام، وبعبارة أخرى يسعى إلى بناء نسيج اجتماعي مفتوح على كل الاتجاهات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة الشرق الأوسط، 24 مارس 2014.

فتح الله كولن : فلسفة الحياة عندنا

فلسفة الحياة عندنا

فتح الله كولن
جريدة المدينة 
الجمعة 29/03/2013

فلسفة الحياة عندنا
نحن نجلب عناصر حياة المستقبل من ماضينا، فإن استطعنا أن نعجنها في معاجن ثقافتنا الذاتية بنور الدين وضوء العلم، فقد جهّزنا خميرةَ أبديتنا.
يعيش قسم من البشر، من غير ممارسة للفكر، وقسم آخر منهم يفكر ولكن لا يعكس فكره على واقع الحياة قط، أما ما ينبغي، فهو أن يعيش الإنسان وهو يفكر، وأن يبتكر أنماطًا فكرية جديدة للعيش فيتفتح على آفاق مُركّبات فكرية مختلفة والذين يعيشون من غير فكر، هُم دُمى تُمثّل فلسفة حياة للآخرين. هؤلاء يلهثون للتغير من شكل إلى شكل ولا يملّون تبديل قوالبهم، ويضطربون ما عاشوا في الانحراف بين الشعور والفكر، والانـزلاق في الشخصية، والتمسّح بين الصورة والسيرة وقد يتقاسمون حينًا حظوظًا حصل عليها المجتمع، ويستفيدون حينًا من توافق مجرى الأمور -وكأنها تترتب حسب تفكيرهم وحسهم وإرادتهم- لكنهم لن يريحوا أرواحهم البتة بالمحاسن والفضائل الإرادية، ولن يَشبّوا بها إلى العلى، ولن يوجهوها إلى اللانهاية. هؤلاء يشبهون بِرَك الماء العقيمة والمحرومة من البَرَكة والخامدة والمعرضة إلى الأُسون فلا يبعد أن يتحولوا -بمرور الزمان- إلى مجمع للفيروسات ومأوى للمكروبات، بَلْه أن يفيدوا بشيء باسم الحيوية.
وهم ضحالٌ فكرًا وسطحيون رأيًا، إلى درجة أطفال يقلدون كل ما يرون ويسمعون، وينجرّون وراء الطغام هنا وهناك، ولا يجدون سانحة للإحساس بأنفسهم والإنصات إلى دواخلهم وتمحيص قيمهم الذاتية... بل لا يشعرون البتة بوجود قيم تخصهم بأنفسهم فيحيون كعبيد لأحاسيسهم الجسمانية والبدنية عبودية لا انعتاق منها ويُسَخِّرون كل شيء حصلوا عليه، ويحصلون، لخدمة الجسمانية في إطارها الضيق، ويغيّرون أعظم الألطاف التي وهبها الله للإنسان، كالقلب والإرادة والحس والشعور، إلى وسائل رخيصة لملذاتهم البدنية، ويقضون أعمارهم في بوهيمية، المقام والمنصب والشهرة والمنفعة والحرص على الحياة، من أهم العوامل التي تُعيّن حركة هؤلاء وفعالياتهم. وسواء أَعَرفوا أم لم يعرفوا، فهم يقعون كل يوم في واحد أو أكثر من هذه الفخاخ القاتلة، ويذبحون أرواحهم مرات بسكين أرذل أنواع الموت.
وليس لأمثال هؤلاء ماضٍ ولا مستقبل ما داموا يرددون قول عمر الخيام: "لا تَشغل البَال بماضي الزمان ولا بآتي العيش قبلَ الأوان واغنم مِن الحاضرِ لذّاتهِ فليسَ في طبعِ اللَّيالي الأمان"، ويتبعون غرائزهم الحيوانية، ويرون الدنيا عشبًا ومرعى، ويحيون راغمين أنف مشاعرهم ومَلَكاتهم الإنسانية، فلا ينفكون من التقلب المضطرب في المستنقع و"اللوثيات".
يجب علينا اليوم أن نجهّز الأبطال الذين يجيدون تلقيح أنفسهم بأمصال الوقاية المستخرجة من ذات أرواحهم.
أما الذين يعيشون حياتهم مفكرين، ويجعلون -حسب درجاتهم- كل يوم أو كل ساعة من حياتهم، ميناءً أو مرسى أو طريقًا للأفكار المبتكرة، فهؤلاء يمضون أعمارهم في خوارق العيش ما فوق الزمان ومفاجآته وسحره، فيتجرعون الماضي كماء نبع مبارك، ويتنفسونه نفحةَ رائحةٍ في رئاتهم، ويطالعونه ككتاب، ويسيرون إلى المستقبل بهذه العُدة... ويحضنون الزمن الآتي بحرارة قلوبهم، ويلوّنونه بآمالهم، ويصوّرونه بعزمهم وإرادتهم... ويحتسبون الزمن الحاضر مركزًا استراتيجيًّا لتنفيذ أفكارهم المثالية، ومصنعًا لإنتاج التقنيات الضرورية في هذا السبيل، وجسرًا للعبور من النظري إلى العملي... وَيَجدّون دومًا كي يكونوا فوق الزمان وفوق المكان.
فهُم من وجهة يطالعون الوجود والزمان في هذا المستوى، ومن وجهة أخرى ينسلخون من ضيق الحياة الجسمانية وينفسحون في رحاب عالم الفكر ويسيحون -وهم في هذه الحياة الفانية الموقوتة- على سفوح ممتدة إلى اللانهاية في عالم آخر ذي بُعْدٍ أبدي... يسيحون ويدفعون عربون اللانهاية بأفكارهم وأحاسيسهم وآمالهم، ويتعايشون مع مشاعر اللانهاية، ويتطلعون إلى ثراء الكينونة الإنسانية في أغوار الرحاب اللَّدُنّية التي حفروها في مغاوص قلوبهم، ويجدّون في اصطياد أنواع الفجاءات بالشِباك التي نشروها في قلوبهم مما لا تبصره الأعين ولا تستمع إليه الآذان ولا يتصوره خيال الإنسان فترشدهم علومهم ومعارفهم ومكتسباتهم العالية فوق المستويات، إلى ما هو أعلى، بل أعلى المعالي، ويؤمّل كلّ منهم أن يكون عُقابًا سماويًّا. فهؤلاء الذين يحيون حياة كهذه، ويجعلون أعمارهم مزارع لأشجار الفكر، سَمُّوهم إن شئتم أهل الحكمة، أو أبطال الفلسفة ذوي الهدى، وعرِّفوهم كما تشاؤون، لكن اعلموا بأن رجال النور الذين يحيكون التاريخ برقةِ نسيج الحرير وظرافته، قد ظهروا دائمًا من بين هذه الأرواح العالية، على مر الزمان الممتد من العوالم القديمة إلى عصرنا الحاضر وحتى أنظمة البراهمية والبوذية والكونفوشية والطاوية والزرادشتية، التي تشبه النظم الفلسفية وليس الأديان، هي هدايا أبطال الروح إلى الإنسانية.
فإن ألحان صروح الفكر هؤلاء، تُسمع دومًا في خرير تيار الفكر المديد إلى الماضي.. إن الرؤى المختلفة إلى الحياة، وأنماط الحياة المتنوعة، وأحواض الحضارات العالمية، والثراء الثقافي في الجهات الأربع من العالم القديم والجديد، كانت دائمًا من نتاج بيادر الفكر لهؤلاء الأبطال فمع كل هذا التبديل والتحريف والإبعاد عن الأصل، يمكننا أن نقول باطمئنان تام: إن القسم الأعظم من البشر في الأرض ما زالوا يتبعون آثار ذلك المحتوى والمعنى والروح القديم -مهما تعسر التأليف بين الحياة المعاصرة وبين هذا القول- وأظن أن الضرورة قائمة لكي نتقبل استمرارية الأخطاء -كحالة طبيعية- بحسن الظن وحسن التأويل، وذلك إلى أن يجد "الممثلون" الأبطال الأمورَ التي لم تتعرض إلى التحريف والتبديل من تلك المرجعيات.
وبناءً على ذلك، ما يجب علينا اليوم -ونحن نستعد للتجديد مرتبطين بأوثق الروابط بجذور معانينا الذاتية- هو أن نجهّز الأبطال الذين يجيدون تلقيح أنفسهم بأمصال الوقاية المستخرجة من ذات أرواحهم... الأبطال المُنْشِدين القادرين اليوم على أداء الكلمات لأناشيد ماضينا من غير تعثر بشيء أو بعائق، وعلى استشعار توقد الحماس في قلوبنا المتجددة كل مرة بتلون آخر.
والواقع أننا سوف يطالنا خراب عظيم على أيدي صناعٍ أجانب أغرارٍ، لحين إعدادنا وتجهيزنا لهؤلاء الأبطال وإبّان ذلك، ستشتغل الإنسانية جمعاء أيضًا بصب أساطيرها القديمة لملء فراغ القيم الأزلية الكونية التي تبحث عنها بوجدانها فلا تعثر عليها بعقلها... فتتقلب من فقدان الطمأنينة إلى دوار الأزمة، ومن دوار الأزمة إلى تخريبات جديدة.
لقد غابت عن واقعنا منذ قرون منظومة فكرية ذاتية، وفلسفة حياة ذاتية، تعتمد على الحركيات الإسلامية التي تشكل جذور المعنى لثقافتنا "الذاتية"، فَتَشتَّتنا شذر مذر نحن وعالم كبير مرتبط بنا ومن الضروري أن نميز بين النسق الفلسفي والفكري لمترجمي نظام الفلسفة اليونانية المتجمعة في الحوض الفكري لأرسطو، من أمثال الكندي والفارابي وابن رشد، وإلى حد معين ابن سينا، وبين نسقنا الفكري وفلسفتنا في الحياة، الموصولة الجذور بالسماوات، القديمة كالأزل، لكنْ الجديدةِ، بل الأكثر جدة من الجدة ذاتها إلى درجة القدرة على استيعاب كل العصور، والمنضودةِ من الحكمة والحِكَم. فموضوع نسقنا الفكري قائم على تفسيرٍ ذي تنـزُّلٍ من اللاهوت والجبروت والملكوت والناسوت، ومعلومِ المنشإ ومنوّرٍ ومعتمِدٍ على حقيقة الخلق فإذا استطعنا أن نتفهم هذا التفسير والتأويل بنكاته الذاتية، نكون قادرين على إبراز نظامنا الفكري، وهذا يعني في الوقت نفسه افتتاحَ طرق واسعة تؤدي إلى تجديد جاد على مستوى العالم كله.
لقد بُذلت الجهود في سبيل نظام فكري كهذا مراتٍ كثيرةً منذ عهد محمد الفاتح -جعل الله مثواه الجنة- لكنها لم تبلغ الغايات المرجوة منها هذه الملاحظة يمكن أن تتعرض إلى المناقشة من بعض جوانبها، لكن الحال هو هذا عمومًا لقد جَدّ الكثيرون في أن يستجيبوا لمثل هذا البحث والترقب في الوجدان الاجتماعي العام، كأمثال "خوجه زاده" و"الملا زيرك"، أو "مصطفى رشيد باشا" ومهندسي "المشروطية" (الحكم الدستوري)، ومنهم إلى كثيرين من عمال الفكر في المرحلة الحديثة، الخالصةِ نياتُهم وغير الخالصة لكن بعضهم تعثَّرَ وتوقفَ عند "تهافت" ابن رشد والإمام الغزالي، وبعضهم غرق في دوامات الثورة الفرنسية وأوغوست كومت، وبعضهم تلهى وانشغل بهذيان دركهايم... ولم تكلّ الحركة أبدًا، لكن لم يحسبوا حساب العصر حينًا، أو تراكضوا وراء الأحلام وحدها، أو اتُّخذت الأهواءُ والرغبات آلهة من دون الله فتبدد في الحيرة والضياع ميراثُ ألف سنة من القيم "الذاتية" ويا ليتنا استطعنا الآن أن نتجاوز هذه السلبيات... هيهات هيهات! فلسنا ندعي أننا ننظر بعين الرضا إلى هذا الجانب من واقعنا فكم أتمنى أن نتجاوز السلبيات كلها، وأن نطور نظامًا فكريًّا وفلسفة "وطنية" تتغذى من مصادرنا الذاتية!.
وأشير هنا إلى أن آراءنا ستتناقض مع بعضها باستمرار، وسينهش بعضنا بعضًا في فخ "التعارض والتساقط"، بسبب الاختلاف في زوايا الشعور والإحساس بالكائنات وتفسيرها ما لم نُقِم ما نبنيه، على قاعدة فكرية راسخة كهذه، وما لم نمتلك نظامًا فلسفيًّا كهذا فيجب تحقيق عائدية مستقبلنا إلينا -مثلما حاضرنا- بهذه الأصول وبهذا النظام، وبفيض أسلوب تتقاسمه الأجيال جميعًا فإذا لم تتحقق الوحدة في مشاعرنا وفكرنا ونمط حياتنا، فستظل الوحدة "الوطنية" والتضامن "الوطني" أُمنية حماسية فالمنطلق "الوطني" والفكر "الوطني"، والتعقل الوطني، وواردات الروح، أمور بالغة الأهمية في أي نظام من الأنظمة فإن أي نظام فكري لا يستطيع أن يحقق وحدة الحس، ووحدة المنطق، ووحدة المحاكمة، وسهولة التعايش معًا لشعب من الشعوب، إلا بالمقياس والقدر الذي يستمد من عقل الشعب ووجدانه وعالم أحاسيسه... وعلى الضد إذا تصادمت المشـاعر والأفكار والتفاسـير والأساليب وتناقضت المحاكمات، فإنّ تزاحم الحركة في هذه الأحوال، لا يعني كثرة البركة البتة، ودع عنك البركة، فكثيرًا ما يَؤُولُ المصير إلى الاضمحلال في هذه الأوضاع إن كل حملة وجهد في المجتمع الذي يعاني من فوضى في الفهم والتفسير، يشبه أمواج البحر المرتطمة ببعضها؛ إذ تتكاسر دومًا، وتنصبّ إلى حوض عطالتها، وتلف وتدور في فراغ الدور والتسلسل الفاسد ولعلنا نجد بالتمحيص حكمةً في تكاسر أمواج البحر بالارتطام مع بعضها لكن أمثال هذه المصادمات في المجتمع، لا تخلّف إلا التعفن والانحلال وإهدار النَّفَس ففي مثل هذا المجتمع، يكون كل فرد ذئبًا يفترس الآخر، وكل فكر برنامجًا للموت ومع أن السماء تمطر رحمة على مثل هذا العالم، لكن الهيئة الاجتماعية تبقى تحت تهديد عُثّتها وكذلك تبقى القيم التاريخية فيها معرضة إلى الانخراق والتمزق، وتبقى المقدسات مهددة بالتبدد ولا محل للوفاء عند الكهول في الركام البشري لهذا المجتمع، ولا مكان للفتوة عند شبابهم فالقوى الفتية والحركية المأمول منها أن تسمو بالمستقبل كسارية العلم على هاماتها، هي التي تحتقر الراية وتشتم الماضي من جهة، وتحسب المستقبل ساحة جنون لإجراء رذائلها من جهة أخرى... أما الكهول والمثقفون الذين سلّموا أنفسهم للامبالاة المفزعة، فيتصرفون كمشجعين لفكر "اللوثيات"... فتراهم يثيرون البوهيمية في الأرواح، ويصبّون دخان النار على البصائر، بأقوالهم وكتاباتهم ورسومهم وبرامجهم في وسائل الإعلام.
وفي مثل هذه المرحلة، لا تحفز مآوي العلم عشقَ العلم وفكرَ العلم في الأرواح... ويلعب أصحاب أيديولوجيات معينة بالذين يمثلون القوة وكأنهم دمى، يفترس بعضهم بعضًا... ويضطر المنطق والمحاكمة والإلهام إلى المسير في الممرات الضيقة للرموز والإشارات... وبدهي أن الحياة بذاتها تكون تعذيبًا للحياة في مجتمع كهذا، عامرٍ بالنقائض والمخالفات، مقدّمٍ للرغبات والأهواء على الفكر.
والحال أن نظام الفكر وفلسفة الحياة عندنا رحيبة، تتناول عوالم الوجود، وما عدا الوجود، وما قبل الوجود، فتقيّم الأشياء وما عدا الأشياء في كلية، وتعيّن معالم نمط الحياة في تكامل وإحاطة فهو نظام يحقق العدالة الكونية المرتقبة في الأرض كلها بتحويل السلوك الأخلاقي إلى حال السيولة في المجتمع وأجزائه الأفراد، ويستجيب للمتطلبات الإنسانية، فيصل المجتمع في ظل ذلك إلى القدرة على تجديد نفسه ذاتيًّا بالتربية على الروح والأخلاق والفضيلة والتفكر ثم يكون فكرنا الحضاري وغنانا الثقافي كسلعة رائجة في كل أقطار الأرض، فنغدو اليد المعطاء التي تقدم في ارتياحٍ هباتِ فكرنا الإنساني وفلسفتنا الأخلاقية وفهمنا للفضيلة ومتلقياتنا للعدالة وبفضل هذا الوضع والمستوى أيضًا، تنبجس الحركيات الإدارية والأصول الاجتماعية والاقتصادية في الدولة -كما في مصادرها الأخرى- من الروح الذاتية للأمة، فتتحرر من أنواع "القيود" كلها.. إن "القيود" الضمنية المضروبة على رقابنا حتى الآن كالنِّير، بسبب نقاط ضعفٍ فينا أو مديونيات علينا، ومهما كانت خفية غير جلية، عَرَّض نظامَنا الإداري وأنظمتنا الاقتصادية والسياسية والعدلية إلى العطل والفشل وأصابها بالشلل.

الثلاثاء، 8 أبريل 2014

تاريخ العلاقة بين «الإخوان» والسعودية (4)

منقول :
جريدة الشر الاوسط

السعودية بين مكائد «الإخوان» وحراك الصحوة (الحلقة الرابعة) 

عبد الله بن بجاد العتيبي
إن تاريخ العلاقة بين الدولة السعودية وجماعة الإخوان المسلمين مليء بنكران الجميل من قبل الجماعة، ففي عهد الملك عبد العزيز ومع كل الرعاية التي قدمت له فإن حسن البنا لم ينِ عن مهاجمة السعودية والملك نفسه؛ وذلك إما عن طريق الهجوم المباشر، من خلال ما ينشر في جريدة الإخوان المسلمين، وإما عبر التشكيك في رجالاته وقراراته، وإما عن طريق الهجوم على سياساته التي تعارض الجماعة، كما تقدم.



لم تتسن الفرصة لجماعة الإخوان المسلمين للتهجم على الملك سعود بسبب ظروفهم آنذاك واصطدامهم مع الضباط الأحرار، ولكنهم وبعد الدعم الكبير الذي حظوا به من قبل السعودية، فعاد مرشدهم عمر التلمساني في عهد الملك خالد لاتهام السعودية بتهمة باطلة تقدم ذكرها، وفعلوا الأمر عينه في عهد الملك فهد، وذلك بتأييدهم لصدام حسين في حرب الخليج الثانية واحتلال الكويت.

وفي عهد الملك عبد الله، واصلوا نفس النهج بالوقوف ضد ما كان يعرف بـ«محور الاعتدال» الذي كانت تقوده السعودية واصطفافهم مع «محور الممانعة» المعادي الذي تقوده إيران، ومن أبرز أنصار الممانعة مرشد الجماعة السابق مهدي عاكف، وهو ما استمروا فيه بعد 2011 وفترة الربيع الأصولي الذي كان يعرف بالربيع العربي.





* قصص كثيرة تستحق أن تروى في هذا الإطار، ولكن لنستمر فيما بدأناه سابقا ليتصل الحديث، ففي سياق مكائد الإخوان المسلمين لمن آواهم ونصرهم في السعودية ودول الخليج، فإنه وإن كان مستغربا أن يقوم «الإخوان» بمثل هذه المواقف ضد السعودية بعد كل ما صنعته، فإن علي عشماوي يعتبرها سلوكا إخوانيا مستقرا، فهو يقول: «فهم - أي (الإخوان) - يجيدون إيذاء كل من وقف معهم فترة من الزمن، إذا حدث واختلف معهم مرة، فقد ساعدتهم السعودية وقطر والكويت والكثير من الدول العربية، فما كان منهم إلا أن أساءوا إليهم وطعنوهم وانقلبوا عليهم... فعلوا كذلك مع الدول التي آوتهم وأحسنت وفادتهم.. وكما قلنا كان مدرسو (الإخوان) في جميع هذه البلدان يجندون الشباب ويشحنونهم ضد حكامهم وبلدانهم حتى ينقلبوا عليهم، وكلما وجدوا فرصة للانقضاض انتهزوها». ويضيف عشماوي: «لقد راقبوا جميع حكام الدول العربية التي عملوا بها وفتحت لهم أبوابها، كما جمعوا عنهم معلومات؟! وكم استعملوا تلك المعلومات ضدهم أحيانا أو للسيطرة والحصول على مزايا ومواقع في تلك الدول؟! لقد تعاونوا مع جميع الحكام ما داموا يحصلون على ما يريدون، ثم ما يلبثون أن ينقلبوا عليهم حين تختلف المصالح».



ثمة خصلة تميز جماعة الإخوان المسلمين عن غيرها من التيارات والطوائف والجماعات في التاريخ الإسلامي وفي العصور الحديثة ألا وهي صفة عدم الوفاء، لا بمعنى التصرف الفردي فحسب، بل بمعنى بناء جماعة منظمة تقوم على هذا الأساس، وبناء منظومة دينية وسياسية وتربوية تشرع ذلك وتحث عليه وتحتفي به، وكيف أن هذه الجماعة المنظمة والمنظومة قد أدت إلى تحويل هذه المكائد لوقائع وأحداث عبر الاغتيالات والتفجيرات.



الغدر في التاريخ والواقع وفي حياة البشر يختلف عن الذكاء والفطنة، ويختلف عن الوعي والقيادة ويختلف عن الحرب والقتال، إنه مفهوم يكتنز دلالات سيئة.

والعنف المنظم كالذي اعتمدته جماعة الإخوان المسلمين، هو عنف من شروطه أن يقوم على اعتماد «المكائد»؛ إما ضد شخصيات عبر الاغتيالات أو ضد مجموعات أو تيارات مخالفة عبر التفجيرات التي يقتل فيها مدنيون وآمنون.

والغدر كما أنه مصطلح يكتنز صفات سيئة فهو يقوم كذلك على الاحتيال والكذب ويمارس اعتمادا على الاختلاط بعامة الناس والتماهي معهم، بينما يكون مبنيا في الأساس على خطط خادعة لتنفيذ أجندة سرية تخدم أهدافا سياسية للجماعة عبر العنف والمكيدة.

ومن المفارقات أن نجد سلفيا متشددا وإرهابيا انتهك أقدس الحرمات في الحرم المكي الشريف 1979 وهو جهيمان العتيبي ينعى على الإخوان المسلمين تبنيهم الغدر، فهو يتحدث عن الإخوان المسلمين قائلا: «ويحاولون أن يغدروا بمن يعملون تحت سلطته، وقد قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (لا غدر في الإسلام)» وفي معرض الإلزام يسألهم: «هل رخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكوت... ومشاركة عدوهم في الأعمال أو حرضهم على نيل المراكز لديهم للغدر بهم»، وذكرهم بقول هرقل: «إن الرسل لا تغدر»، ثم قال: «أنتم تخططون للغدر وأتباع الرسول والرسول نفسه لا يغدرون... إنما المهم أن يوافقوكم على الاندماج في صفوف القوم... والسيطرة على المراكز للغدر بهم لإقامة دولتكم الإسلامية... بينما أنتم تخفيتم واندسستم بين الصفوف واندمجتم وغدرتم ولكنكم لم تقيموا دولتكم الإسلامية، وقتل منكم آلاف مؤلفة في حركات الغدر». (الرسالة السابعة: «البيان والتفصيل في وجوب معرفة الدليل» من كتاب: «رسائل جهيمان العتيبي» رفعت سيد أحمد. ص 460).





* هبوط العلاقات 1990

* التأريخ بهذا العام لقصة الهبوط في العلاقات بين السعودية وجماعة الإخوان المسلمين له ثلاثة أسباب:

1- تصريحات وزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز التي أطلقها عام 2002 في حواره الشهير مع صحيفة «السياسة» الكويتية، في عددها رقم 122113 والمنشور بتاريخ 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، الذي قال فيه: «جماعة الإخوان المسلمين أصل البلاء. كل مشاكلنا وإفرازاتنا جاءت من جماعة الإخوان المسلمين، فهم الذين خلقوا هذه التيارات وأشاعوا هذه الأفكار»، مضيفا «عندما اضطهد (الإخوان) وعلقت لهم المشانق لجأوا إلى السعودية فتحملتهم، وحفظت محارمهم وجعلتهم آمنين»، مبينا أن «أحد (الإخوان) البارزين أقام 40 سنة عندنا، وتجنس بالجنسية السعودية، وعندما سئل عن مثله الأعلى قال: حسن البنا»! ويكمل الأمير نايف تعليقا على الغزو العراقي للكويت: «جاءنا عبد الرحمن خليفة و(راشد) الغنوشي و(عبد المجيد) الزنداني، فسألناهم: هل تقبلون بغزو دولة لدولة واقتلاع شعبها؟ فقالوا: نحن أتينا للاستماع وأخذ الآراء»، ويضيف «بعد وصول الوفد الإسلامي إلى العراق، فاجأنا ببيان يؤيد الغزو»! إذن، فقد وقفت جماعة الإخوان المسلمين الأم بمصر ضد السعودية مع صدام حسين وتبعتها على ذلك غالبية فروع الجماعة في البلدان العربية كالأردن وفلسطين واليمن والسودان، وقد كتب الإخواني الكويتي «إسماعيل الشطي» مقالات كثيرة في «الشرق الأوسط» حينها حول هذا الموضوع وأبان عن مرارة من موقف الجماعة الأم تجاه الغزو العراقي.



2- ما ذكره محمد حبيب، النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، في كتابه «ذكريات د. محمد حبيب عن الحياة والدعوة والسياسة والفكر»، بقوله في تفسير أحداث ذلك العام من وجهة نظر جماعته: «فلولا التسلط والقهر والاستبداد، ما استطاع صدام أن يتخذ قراره بغزو الكويت في 2 أغسطس (آب) من عام 1990، ولولا الاستبداد وحكم الفرد ما رضخ الحكام العرب لطلب استدعاء القوات الأجنبية لاحتلال منطقة الخليج»، ويضيف «ووقعت السعودية ودول الخليج في الشرك المنصوب». وهذا التفسير الذي انطلق منه موقف الجماعة هو تفسير منحاز تماما ضد السعودية في واحدة من كبرى الأزمات الإقليمية التي واجهتها.



3- المواقف التي عبرت عنها رموز الإسلام السياسي في السعودية، سواء من المنتمين إلى جماعات الإخوان المسلمين أو «من في حكمهم» كتيار السرورية الذي يوافق جماعة الإخوان المسلمين في الفكرة العامة وإن اختلف عنها في بعض التفاصيل.





* السعودية وحراك الصحوة 1991 - 2001

* لا أريد الإطالة في مفهوم الصحوة الذي يعني تجمعا ما لحركات الإسلام السياسي وحركات العنف الديني وحركات الدعوة الدينية بشكل عام كحركة التبليغ، والتيارات السلفية بأنواعها، وحزب التحرير والحركات المتفرعة عنه، وغيرها العشرات من الحركات، ولكن يهمنا في هذا السياق رصد جماعات الإسلام السياسي وجماعات العنف الديني المنبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين، وسنعرض هذه المرحلة كالتالي:

1- المعارضة وتوزيع الأدوار: (معارضة صحوية) قادها سلمان العودة وسفر الحوالي وغيرهما كثير. فبعدما كان العودة يتحدث عن موضوعات مثل «الأسماء» و«الألقاب» و«الكنى»، أصبح يلقي محاضرات عن «أسباب سقوط الدول» ويحرض رجال الأمن على الدولة كما في كاسيت «أخي رجل الأمن»، ومثله فعل الحوالي في محاضرتين شهيرتين هما: «فستذكرون ما أقول لكم» و«ففروا إلى الله». وبعد دروس «الرد على الخرافيين» التي يهاجم فيها الصوفية، أصبح يكتب عن «وعد كسنجر»، وهاجم الرجلان بضراوة سياسة الدولة في بناء «التحالف الدولي» لتحرير الكويت بتطابق كامل مع رؤية جماعة الإخوان المسلمين ومواقفها المذكورة أعلاه. كما انتقل مؤسس تيار السرورية سوري الجنسية الإخواني السابق محمد سرور بن نايف زين العابدين إلى بريطانيا وأصدر من هناك مجلته الشهيرة مجلة «السنة» وأظهر عداوة شرسة للسعودية كدولة وهاجم كبار العلماء فيها، وقد ذكر بعض الباحثين أنه ألقى محاضرة في أحد المراكز الإسلامية في إنجلترا عام (1996) ووصلت مسجلة إلى السعودية، صرح فيها أمام الملأ بتكفير الملك الراحل فهد بن عبد العزيز والدولة السعودية.



2- (معارضة إسلام سياسي متعدد)، ويشمل بعض المنتمين للإخوان المسلمين وحزب التحرير ونحوهما، ومنها ما كان يعرف بـ«لجنة لجام» وهي لجنة تضم مجموعة من الإسلامويين في جامعة الملك سعود التي كانت المحرك الفاعل وراء «خطاب المطالب» وبعده بعام «مذكرة النصيحة»، وكان خلفها أسماء مثل سعد الفقيه ومحمد المسعري وعبد العزيز القاسم وغيرهم، وصولا لإعلان ما كان يعرف بـ«لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية» التي انطلق منها شق للخارج يقوده الإخواني سعد الفقيه والمنتسب إلى حزب التحرير محمد المسعري، وتحول اسمها مع الفقيه لـ«حركة الإصلاح».



3- سجن المحرضين وبداية الإرهاب: وعت الدولة حجم التهديد والتوجه المعادي لها من جماعات وتيارات الإسلام السياسي، فقبضت منتصف التسعينات على كثير من الأسماء أعلاه، ووقع تفجير مبنى الحرس الوطني بحي العليا في الرياض عام 1995، وخرج أسامة بن لادن قائد تنظيم القاعدة من السعودية إلى السودان التي كانت تسيطر على الحكم فيها جماعة الإخوان المسلمين وحسن الترابي، ومن هناك بدأ هجومه على السعودية يأخذ خطين متوازيين: الأول: تعزيز بناء «تنظيم القاعدة» الذي بدأه في الثمانينات. والثاني: إصدار بيانات تحت ما كان يعرف بـ«هيئة النصيحة والإصلاح» مذيلة باسم بن لادن من لندن، حيث كان يديرها «خالد الفواز»، التي بدأت تقريبا مع بداية «لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية» في نفس المدينة البريطانية لندن 1996، وهي بيانات موجهة للسعودية ومعادية لها. وقد كان التعاون شبه كامل بين الفقيه والفواز؛ فبحسب الموقع الرسمي لـ«لجنة مجلس الأمن المعنية بمتابعة الجزاءات بشأن تنظيم القاعدة وما يرتبط به من أفراد وكيانات» التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، فقد «كانت للفواز اتصالات بسعد راشد محمد الفقيه الذي يرأس حركة (Movement for Reform in Arabia)، وكان للفقيه والفواز مكتب مشترك في أواخر التسعينات من القرن الماضي، حيث عمل الفقيه مع الفواز وقدم له المساعدة، وهو الذي كان بمثابة صلة وصل بين أسامة بن لادن والفقيه. وقد دفع الفقيه ثمن هاتف ساتلي، سلمه الفواز إلى أسامة بن لادن الذي استخدمه لتسهيل الهجومين اللذين شنا بالقنابل على سفارتي الولايات المتحدة لدى كينيا وتنزانيا عام 1998».

وقد كان بن لادن قد أعلن عن إنشاء ما كان يعرف بـ«الجبهة الإسلامية العالمية لمحاربة اليهود والنصارى» 1998 من أفغانستان بعدما حضر لها جيدا في السودان. ونفذ في السنة ذاتها عمليتي التفجير في السفارتين الأميركيتين لدى كينيا وتنزانيا.

4- الخروج من السجن ومرحلة الاضطراب: خرج رموز الإسلام السياسي من السجن بعد سنوات ودخلوا في مرحلة من الاضطراب في الموقف من الدولة، فبعضهم اختار الاستمرار في نفس الطريق السابق وإن بنبرة أخف، علا صوتها في مرحلة لاحقة، تلك التي كان يمثلها تيار السلفية الجهادية كناصر الفهد وعلي الخضير وأحمد الخالدي ومعهم الشيخ الطاعن في السن حمود العقلا، وسفر الحوالي، وبعضهم اختار الانحياز إلى خطاب كان في طور التشكل كان يعرف بـ«التنوير» كما يسميه طارحوه أو «العصرانية» كما يسميه خصومه كسلمان العودة.





* السعودية والإرهاب والممانعة 2001 - 2011

1- نتائج الاضطراب: كان هجوم الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) على الولايات المتحدة في هجمات غير مسبوقة حدثا عالميا، نتج عنه إعلان حرب دولية ضد الإرهاب وسقطت معه دولتان هما أفغانستان والعراق، ولكنْ سعوديا أعلنت الدولة بكل قوة وقوفها ضد هذا العمل الإرهابي وأدانته وأعلنت المشاركة في الحرب على الإرهاب الذي يتقصد السعودية كغاية له، واختارت جماعة الإخوان المسلمين سياسة إنكار الحدث لتقدم نفسها كبديل عن «القاعدة» بل وعن السعودية، وقد حرك الحدث الجدل السابق سعوديا، فاختفى زعيم القاعدة بن لادن واستمر في التخطيط لبناء تنظيمه الذي عرف بـ«تنظيم القاعدة في جزيرة العرب»، وحاول المضطربون تبين مواضع أقدامهم، وأصدروا «بيان التعايش» الذي كان ردا على بيان مثقفين أميركيين، وظهر كأنه تأييد لتيار «التنوير»، فشن تيار «السلفية الجهادية» حربا ضروسا ضد البيان، وأجبروا رموز الإسلام السياسي حينها على تقديم فروض التوبة التي وقع عليها أهم تلك الرموز: سفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر عند شيخ سلفي جهادي اختاروه بعد رحيل العقلا هو عبد الرحمن البراك.



2- التردد والمساومة والبحث عن الأضواء: تردد كل من العمر والحواي والعودة والعواجي، بما يمثلونه من توجهات سابقة، فحاول العمر الانحياز إلى السلفية التقليدية، وقام الحوالي والعواجي بالتراوح بين تقديم خدمات للداخلية بتسليم المطلوبين وحل القضايا العالقة آنذاك والمساومة بعد 2003 وتفجيرات الرياض «غرناطة»، وقد قدموا خطابا يشبه خطاب جناح سياسي يدافع عن جناح مسلح، واختار العودة الإعلام والشهرة بمراوغات مستمرة تليق بسياسي محترف.

وعودا للجماعة الأم بمصر، فقد كانت الدول العربية منقسمة تجاه الأحداث الجديدة في المنطقة، وكان ثمة محوران هما «محور المقاومة» و«محور الاعتدال»، وكان الأول يضم الجمهورية الإسلامية في إيران ومعها بعض القوى السياسية من جماعات الإسلام السياسي الشيعي ممثلة في «حزب الدعوة» و«المجلس الإسلامي الأعلى»، أو النسخة الشيعية لجماعة الإخوان المسلمين التي استولت على الحكومة في العراق لاحقا وسوريا وحزب الله في لبنان وحركة حماس الإخوانية في فلسطين، وكان الثاني يضم السعودية ومصر ودول الخليج والأردن، وقد انحازت جماعة الإخوان المسلمين الأم بمصر إلى محور الممانعة ضد السعودية وحلفائها.



وعلى طول هذا العقد، ظلت الجماعة تقف على الضد من مصالح السعودية ومحور الاعتدال، ففي 2006 أيدت جماعة الإخوان المسلمين «مغامرة» حزب الله اللبناني التي أدخلته في حرب مفتوحة مع إسرائيل والتي أنكرتها السعودية وجرت على لبنان الخراب، ثم وقفت مع الحزب حين اجتاح بيروت بالقوة العسكرية التي كان يزعم توجيهها لإسرائيل في 2008.

وفي 2007، أيدت الجماعة انقلاب حماس في غزة الذي شق الصف الفلسطيني، وحركة حماس - بحسب ميثاقها - هي فرع فلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين بمصر وتنظيمها الدولي، وكانت حماس قد قدمت العهود والمواثيق في مكة وبجوار الحرم، في المعاهدة التي رعتها السعودية في فبراير (شباط) 2007 بين حركتي فتح وحماس، ولكنها حين عادت لفلسطين نكثت بالعهد وقامت بانقلابها في غزة وعادت أدراجها لمحور الممانعة الإيراني المعادي للسعودية.



وفي 2009، خرج المرشد العام للجماعة مهدي عاكف متهجما على الدول العربية ومحور الاعتدال، وكان يقصد السعودية ومصر تحديدا، ومؤيدا لإيران ليقول لقناة «الجزيرة»: «كل الأنظمة العربية أصبحت صهيونية أكثر من الصهاينة»: «كان الواجب على مصر أن تشكر حزب الله بدلا من أن تحقق مع الخلية التي لم يقصد السيد حسن نصر الله من إرسالها التخريب أو الاعتداء وإنما دعم المقاومة الفلسطينية»، «ما يقوم به حسن نصر الله من مقاومة... قد قصرنا نحن في القيام به»، «لقد خان السادات شعبه»، «يجب أن نقف ضد رئيسنا قبل أن نقف ضد زيارة نتنياهو»، «يأتي نتنياهو أو يأتي عباس لا فارق، فكلهم ملة واحدة». وبعد أقل من سنة من الوصول للسلطة في مصر، كتب الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي رسالة تقطر مودة لإسرائيل وتوقفت حماس كلية عن مهاجمة إسرائيل وحاربت الجماعات التي لم تلتزم بسياستها.

وفي العام نفسه 2009 وحين واجهت السعودية اعتداء مسلحا من جماعة الحوثي التابعة لإيران على حدودها ودخلت معهم في مواجهة مفتوحة، انحازت جماعة الإخوان المسلمين ضد السعودية وانحاز مرشد الإخوان المسلمين حينها مهدي عاكف إلى جانب إيران والحوثيين، وزعم في لقاء تلفزيوني أن السعودية تمول الرئيس اليمني حينذاك علي عبد الله صالح في حربه ضد الحوثيين، ثم أصدرت الجماعة بيانا انحازت فيه إلى الحوثيين ضد السعودية بما يحمل إدانة للسعودية، وتوالى رموز الجماعة كعصام العريان على نفس الموقف.

ولعله من المهم الإشارة إلى موقف كان لافتا في حينه ومثيرا للاستغراب وهو موقف الناشط السعودي المنسوب للسرورية محمد الأحمري، حيث كتب مقاله الشهير «خدعة التحليل العقدي» الذي جادل فيه بأهمية دعم محور المقاومة وحزب الله اللبناني على وجه الخصوص إثر حرب الثلاثين يوما التي سماها حزب الله آنذاك «النصر الإلهي»، منتقدا الأحمري في مقاله الموقف الديني والعقائدي من الشيعة أو تقديم الموقف السياسي على الموقف العقدي بخلاف طروحات التيار الذي ينتسب إليه.

وقد حصل الأحمري بعد سنوات على الجنسية القطرية.



وقد ورد في مذكرة اتهام مصرية حول «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين» صدرت في منتصف عام 2009 إشارة إلى اسم السعودي الدكتور عوض القرني كأحد الناشطين في التنظيم الدولي، وقالت عنه المذكرة ما نصه: «جناح التنظيم بالسعودية، ويضطلع بمسؤوليته الدكتور عوض محمد القرني، أستاذ الشريعة بجامعة الملك خالد، ويتخذ التنظيم من المكتبات المنتشرة بالمملكة غطاء لحركته وستارا لعقد لقاءات سرية لتلافي الرصد الأمني». كما ذكرت المذكرة من سمته «فرحان بن فريج المولد» ونسبت إليه أنه هو «الذي يتولى مسؤولية التنظيم بمنطقة مكة المكرمة ويضم بعض السعوديين والمصريين العاملين بالمملكة».



ثم أعادت لائحة اتهام صادرة عن النائب العام المصري، أعلنت في يوم الأربعاء 21 أبريل (نيسان) 2010، اتهام عوض القرني بتهمة جديدة هي تمويل التنظيم الدولي لـلإخوان، وقد نفى القرني التهمة واعتبرها مؤامرة صهيونية.

وقد أخطأت لائحة الاتهام في اسم عوض القرني وجعلته عائض القرني، وقد تبرأ عائض من هذا الاتهام واعترف بانتمائه للإخوان المسلمين أثناء دراسته الجامعية وقال: «أنا انتميت إلى فكر (الإخوان) في الكلية، يمكن في أول الكلية ثلاث سنوات أو أربع سنوات، وجلست مع الإخوان أربع سنوات».

وكان عوض القرني قد سئل قبل هذا الاتهام بسنوات عن الإخوان المسلمين والسرورية، فقال: «إن جماعة لها أكثر من سبعين عاما من الخبرة وتتوزع على القارات الخمس (يقصد الإخوان) لا يمكن مقارنتها بتيار ليست له هذه المكانة ولا الخبرة»، وذلك في لقاء معه على موقع شبكة «الأحرار»، الموقع شبه الرسمي للإخوان المسلمين السعوديين، الذي تم مسحه من الشبكة في وقت لاحق.

وقد أقر القرني بوجود تيار ديني في السعودية متأثر بجماعة الإخوان المسلمين، فقال في حوار نشرته «الشرق الأوسط»: «وجود (الإخوان) في السعودية... بين السعوديين هو تيار فكري يؤثر ويتأثر، ولا يستطيع أحد أن يقدم دليلا على أنه نشأ تنظيم خاص بالسعوديين على شاكلة التنظيمات في الدول الأخرى ومرتبطة بها تنظيميا»، وهو نفى بشدة أن يكون قادة الإخوان المسلمين قد صنعوا تنظيمات في السعودية، وقال: «كل من كتب عن (الإخوان) في السعودية من (الإخوان) أنفسهم، ومن بينهم الشيخ يوسف القرضاوي، يؤكدون فيما كتبوه أن (الإخوان) في مصر عندما جاءوا إلى السعودية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، كان لهم تنظيمهم الخاص، وأن مناع القطان كان على رأس هذا التنظيم، بل أكد بعضهم في كتاباتهم أن قيادات التنظيم عندما جاءوا إلى السعودية اتخذوا قرارا وكانوا متمسكين به، بعدم العمل التنظيمي بين السعوديين على الإطلاق» (صحيفة «الشرق الأوسط» 1 يونيو «حزيران» 2010». وهو كلام مرسل ويناقض ما ذكره الإخواني علي عشماوي، ومثله عبد الله النفيسي، الذي نقلناه بنصوصه أعلاه.

تاريخ العلاقة بين «الإخوان» والسعودية (3)

منقول :
جريدة الشرق الاوسط

بعد اصطدامه بـ «مراكز القوى» أرسل السادات مبعوثين للسعودية لاستعادة جماعة الإخوان وقياداتها وأفرادها - الحلقة (3)

عبد الله بن بجاد العتيبي
تطرقنا في الحلقتين الماضيتين لعلاقات «الإخوان» والسعودية في عهد الملك المؤسس وعهد الملك سعود. وكانت السعودية قد بنت خلال سنوات طوال علاقة قوية مع «الإخوان المسلمين» كأفراد وليس كتنظيم، فاستقدمت الآلاف من قياداتهم وأفرادهم، ولم تكتف بإيوائهم بل سعت لتوفير الحياة الكريمة لهم ودعمتهم بشتى أنواع الدعم. في عام 1966 وعندما صدر حكم الإعدام بحق سيد قطب أرسل الملك فيصل برقية للرئيس جمال عبد الناصر يتشفع فيها لإيقاف تنفيذه، كما أرسل بعض الفقهاء السعوديين برقيات مماثلة. في العام 1970 توفي جمال عبد الناصر وتولى أنور السادات السلطة في مصر وواجه معارضة ممن كان يسميهم «مراكز القوى» فقرر أن يستعين بجماعة الإخوان المسلمين وأن يتصالح معها ليستخدمها في ضرب التيارات اليسارية والقومية التي يستند عليها خصومه داخل مصر، وقد كتب محمود قلادة في 17 سبتمبر (أيلول) 2009: «وفى عصر السادات رئيس دولة العلم والإيمان عام 1971 كان هناك صراع محموم على السلطة بين ما أسماهم مراكز القوى والسادات؛ لأنهم أرادوا السادات أن يحكم ولا يملك، أرسلوا للسادات رسالة مع سامي شرف تطالبه بتعيين شعراوي جمعة رئيس الوزراء بدلا من محمود فوزي فقرر التخلص منهم بتجنيد (الإخوان) لضرب الناصريين واليساريين، واستعان بـ(الإخوان) مكلفا عثمان أحمد عثمان، والدكتور محمود جامع للتواصل مع إخوان الداخل، وسافر كل من عثمان وجامع للسعودية وهناك عقدوا اجتماعات في السعودية حضر من قيادات (الإخوان) في تلك الاجتماعات الدكتور نجم سالم، وعبد الرؤوف، وعبد المنعم مشهور، ويوسف القرضاوي، وأحمد العسال بالتنسيق مع الملك فيصل... وباركت السعودية الاتفاق وقام الملك فيصل بالتبرع بـ100 مليون دولار للأزهر دفع منها 40 مليون دولار لقيادة حملة ضد الشيوعية والإلحاد». («اليوم السابع»). وهي قصة ذكرها الإخواني محمود جامع في كتابه «عرفت السادات»، وكتب عنها محمد عبد الغفار قائلا: «والذي لا يعلمه أحد أن الدكتور محمود جامع، وهو الإخواني الأصيل، كان صديقا حميما للرئيس أنور السادات ونجح في التقريب بينه وبين جماعة الإخوان، وكان له دور كبير في الإفراج عن القيادات الإخوانية التي وضعها الرئيس جمال عبد الناصر في السجون، مثل المستشار صالح أبو رقيق والمستشار عبد القادر حلمي، وبعد ذلك كلفه الرئيس السادات بالسفر إلى السعودية للالتقاء بالقيادات الإخوانية الهاربة والتي أسقط عنها الرئيس عبد الناصر الجنسية المصرية... وبالفعل التقى في مكة المكرمة بالشيخ يوسف القرضاوي والدكتور أحمد العسال والدكتور سالم نجم، ورجال الأعمال المهندس طلعت مصطفى، وعبد العظيم لقمة وفوزي الفتى، وطمأنهم واتفق معهم على العودة إلى مصر وإعادة الجنسية المصرية إليهم ورد اعتبارهم، وبالفعل عادوا.. كما لعب دورا كبيرا في إخراج باقي القيادات الإخوانية من السجون بتعليمات من السادات شخصيا». («الوفد» بتاريخ 21 مارس/ آذار 2012). «انتهز الهضيبي فرصة الحج سنة 1973 فعقد أول اجتماع موسع لـ(الإخوان) في مكة المكرمة وكان هذا الاجتماع هو الأول من نوعه منذ محنة 1954... ونظرا لأن معظم (الإخوان) في الخارج قد هاجروا إلى منطقة الخليج والجزيرة العربية أو البلاد الأوروبية والأميركية فقد تركز عمل لجنة العضوية في تلك المناطق؛ فتشكلت لجنة الكويت، ولجنة قطر، ولجنة الإمارات، وثلاث لجان للسعودية في الرياض، وفي الدمام، وفي جدة». («الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية، أوراق في النقد الذاتي»، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولى، 1989، ص233، من ورقة عبد الله النفيسي بعنوان: «الإخوان المسلمون في مصر التجربة والخطأ». وقد أعاد نشرها في كتيب مستقل تحت عنوان «الفكر الحركي للتيارات الإسلامية»، عبد الله النفيسي، الكويت، شركة الربيعان للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1995، ص36). وقد سهل على الهضيبي هذه المهمة انتشار «الإخوان» في السعودية والخليج وتنظيماتهم المحكمة هناك. ويذكر النفيسي أيضا أن مجلس الشورى العام الذي يمثل السلطة التشريعية لجماعة الإخوان المسلمين «يتكون من 38 عضوا... ثلاثة أعضاء ثابتين بالتعيين مباشرة من المرشد العام وبموافقة مجلس الشورى العام (أخ سعودي وآخر سوري والثالث مصري) و2 من تنظيم الأردن و2 من اليمن و1 من العراق و1 من الإمارات العربية المتحدة و1 من البحرين و2 من السعودية». وفي أمر تشكيل مجلس الشورى العام يذكر النفيسي ملاحظة جديرة بالاهتمام، ألا وهي «أن أقطار الخليج والجزيرة ممثلة أيضا بثقل يفوق أهميتها بكثير، فحاجة التنظيم الدولي لـ(الإخوان) للمال يتم تلبيتها من خلال ذلك... فمندوبو السعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت وعددهم سبعة يتم دائما توظيفهم في عملية جباية الأموال للتنظيم الدولي لـ(الإخوان)». بعد وفاة الهضيبي تولى منصب المرشد العام عمر التلمساني بعد خروجه من السجن، وكانت له مواقف مع السعودية تستحق الذكر، فهو يقول: «ومرة كنت أؤدي فريضة الحج وفي جدة قابلني الأخ (م.ص) وما يزال حيا أطال الله في حياته وقال: إن كبيرا يريد مقابلتي ليس من الأسرة السعودية وإن كان له بها صلة، فرحبت مؤملا في خير للدعوة، وتحدد الميعاد وذهبت قبل الميعاد بخمس دقائق، وهي عادتي في كل مواعيدي... وحل الميعاد واستدعى الكبير سكرتيره ودعاني للدخول فوجدت أحد أبناء المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود موجودا معه... وجلس الكبير يتحدث عن الدعوة الإسلامية ثم عرج على (مجلة الدعوة) وكانت لم تصدر بعد، وقال إنه يريد تدعيمها، فأدركت هدفه وقلت له مقاطعا: سيادتكم طلبتم مقابلتي كداعية لا كجاب، ولو كنت أعلم أنك ستتحدث معي في مسألة نقود كنت أعتذر عن المقابلة، ولذلك أرجو أن تسمح لي بالانصراف، فتلقى الرجل هذه الغضبة في هدوء وقال: لم أقصد ما ذهبت إليه ولكني كمسلم أردت تدعيم عمل إسلامي». (كتاب التلمساني «ذكريات لا مذكرات» نسخة إلكترونية ص22، منشورة على موقع «الشبكة الدعوية»). وينقل محمد عبد الحليم حامد عن التلمساني قوله: «طلبت المملكة العربية السعودية مني عن طريق المرحوم عمر نصيف أن أعمل قاضيا بنجد لما تعرفه عن جدي رحمه الله وصلته بالمذهب الوهابي، فاعتذرت لأني لا أفضل على مصر مكانا أقيم فيه، أو أعمل به مهما لاقيت فيها من عنت». («مواقف من حياة المرشدين» ص30. نسخة إلكترونية منشورة على موقع «الشبكة الدعوية»). يخطئ الكثيرون إما عن جهل وإما بسبب نوع من المزايدة حين يحاكمون لحظات تاريخية معينة بلحظات مختلفة تماما، ويحاول بعض المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين أن يشغبوا على سياسات الدول وقراراتها بشيء مما جرى في التاريخ، ذلك أنهم غير قادرين على قراءة كل لحظة تاريخية ضمن سياقها التاريخي والتباين بين توازنات القوى الذي يفرضه الزمان والمكان والمعطيات. من هنا فقد كانت لدى السعودية أسبابها الواقعية في تلك المرحلة لاستقطاب «الإخوان المسلمين» من شتى البقاع، ونوجزها في خمسة أسباب أولية: الأول: مواصلة السعودية لسياسة الملك عبد العزيز في استقطاب النابهين من العالم العربي في شتى المجالات، مع تفريق كان حاضرا في ذهن الملك عبد العزيز بين من يستقطبهم لرعاية شؤون الدولة، وغالبيتهم من المثقفين العرب والأجانب، كفلبي وخير الدين الزركلي وغيرهما كثير، ومن يستقطبهم بغرض اصلاح الخطاب الديني الداخلي كحافظ وهبة وغيره ممن لم يحضر للسعودية وإن زارها وقدم لها الكثير من الحلول لمشكلاتها الشرعية مع الخطاب الديني المحلي، كمحمد رشيد رضا. الثاني: سعي المملكة لمواجهة المد الناصري الثوري خصوصا أن عبد الناصر ناصب الملكيات العربية العداء، وكان يصمها بالرجعية، وسعى إلى الإطاحة بها، ونجح مسعاه في ليبيا واليمن، وضربت طائراته المناطق الجنوبية في السعودية في عسير وجيزان، فتبنت السعودية دعم التضامن الإسلامي في وجه المد الناصري. وكان أقوى خصوم عبد الناصر في الداخل حينها هم جماعة الإخوان المسلمين، فكان استقطاب «الإخوان» على مبدأ سياسي هو عدو عدوي صديقي. الثالث: سعي المملكة إلى تطوير الخطاب الديني المحلي، بعد الممانعة المستمرة من قبل قادة هذا الخطاب لأغلب قرارات تطوير الدولة وتحديثها، وكمثال يمكن مراجعة كتاب «فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ» ففيه الكثير من رفض الأنظمة الحديثة وإطلاق أحكام الكفر والردة عليها، وقد انتقى من هذه الفتاوى كل ما يصب في هذا الاتجاه صاحب كتاب: «الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية» تحت فصل سماه «فاعتبروا يا أولي الأبصار»، والكتاب نشر باسم «أبو البراء مرشد بن عبد العزيز بن سليمان النجدي»، 1994. ومعلوم أن كل هذه الأسماء مستعارة، وأن المؤلف الحقيقي للكتاب هو الفلسطيني عصام البرقاوي، المعروف بأبي محمد المقدسي، والذي أصبح لاحقا أحد أشهر رموز تيار «السلفية الجهادية»، وقد قام بتهذيب الكتاب والتعليق عليه السعودي محمد المسعري في كتاب سماه «الأدلة القطعية على عدم شرعية الدولة السعودية» 1995. وكان «الإخوان المسلمون» يقدمون حلولا إسلامية وبحوثا شرعية معمقة لتمرير مشاريع الدولة التي أعاقها الخطاب التقليدي. الرابع: ما واجهته السعودية من تحديات داخلية والتي أشارت إلى تنامي خطاب التطرف داخل الخطاب التقليدي. وكذلك قيام تنظيمات حزبية ثورية منها القومي ومنها البعثي ومنها الشيوعي، تبنت معارضة النظام بصراحة ووضوح، وانتشر بعضها بين العمال وبين طلبة الجامعات، وكان أفضل من يقوم بمواجهتهم حينذاك جماعة الإخوان المسلمين، نظرا لخبرتها بأطروحاتهم ومقدرتها على مقارعة حججهم بحجج دينية، وهي تجربة لم تنفرد بها السعودية، بل استخدمتها أغلب الدول العربية في مواجهة المد اليساري. الخامس: سعي المملكة المشروع لإثبات نفسها كدولة قائدة ورائدة، وكذلك تثبيت مكانتها وثقلها السياسي في العالمين العربي والإسلامي وفي العالم أجمع. عندما جاء «الإخوان المسلمون» للسعودية بخطاب ديني مختلف عن الخطاب السلفي السائد، واجهوا معارضة لأطروحاتهم، وعانوا عدم التقبل الشعبي لها، ولذلك استحدثوا خطابا جديدا مناسبا للبيئة التي يعملون بها, ولعل ابرز رموز هذا الخطاب محمد أحمد الراشد، وهو إخواني عراقي اسمه الحقيقي عبد المنعم العزي، وقد جمع بين الوعي الحركي والتنظيمي، والاطلاع العميق على كتب السلف والتراث الإسلامي، ولهذا أصبح هو الأب الروحي لإخوان السعودية والخليج دون منازع في مرحلة مهمة. وقد قدم الراشد تنظيرات فكرية وطرائق تنظيمية خطيرة لإخوان السعودية والخليج، فهو كان يقول: «ويبدو فتى الخليج نموذجا مغايرا، فهو يحوز احتراما للإسلام وافرا، ولكنه يجهل المعنى التفصيلي للإسلام... ويحتاج إلى تعرف على أنظمة الإسلام ومفردات الأحكام... ثم زاد البطر وترف ما بعد النفط... والفقهاء ما قالوا بكراهة التنعم الكثير إلا من باب إقعاده عن النهضة الجهادية». إنه باختصار يدرس «الفتى الخليجي» كنموذج مستهدف للتجنيد، ويرى تعليمه «المعنى التفصيلي للإسلام»، أي منهج «الإخوان المسلمين»، وإيصاله لهدف الجماعة وهو «النهضة الجهادية». ومما علمه لأتباعه أن «العمل الخارجي المهني الذي يؤديه الدعاة في أجهزة الدولة ومرافق المجتمع، فإن المهن والوظائف تتفاوت في قربها أو بعدها عن المجال الفكري والسياسي الذي يهمنا». ومعنى هذا أن موظفي الدولة من عناصر الجماعة لهم أدوار في أجهزة الدولة لخدمة الجماعة لا الوطن، ويضيف: «ومن البداهة أن نحرص على احتلال المراكز التي تتيح لنا: تربية غيرنا، وإسماع صوتنا، أو تجعل لنا هيبة أكبر». واحتلال المراكز بهدف بناء هيبة أكبر ضد الدولة والمجتمع واحد من أهداف الجماعة. وهو يلخص موقفه تجاه القيادات السياسية في السعودية والخليج الذي يعلمه أتباعه في الخليج فيما سماه «مذهب السيف السلفي» ويقول: «إن نقطة القوة في موقفنا أن هؤلاء لم تأت بهم شورى الناس وآراء أهل الحل والعقد والثقات، وإنما ورثوا كراسيهم وانتهبوها أو أجلسهم المستعمر عليها، وهي نقطة ضعفهم، فلا بيعة لهم ولا طاعة، وإنما مذهب السيف السلفي يقودنا في معركتنا تجاههم»، (من كتابه «المسار»). وهي دعوة صريحة لاعتماد الانقلابات العسكرية والعنف وسيلة للسيطرة على الدول في استمرار لمنهج الجماعة قديما وحديثا. رجوعا للسياق فقد أشار سعد الدين إبراهيم إلى أنه «حينما ضربت حركة الإخوان المسلمين بواسطة الرئيس المصري جمال عبد الناصر في الخمسينيات وفي الستينيات، فر عدد كبير من (الإخوان) إلى المملكة العربية السعودية، المعقل الحصين للوهابية، حيث أحسنت وفادتهم وحمايتهم. كما أن عددا كبيرا منهم شاركوا في بناء الدولة السعودية الثالثة، واستفادوا، بقدر ما أفادوا أدبيا، ماديا». ويذكر علي عشماوي موقفا له مع زينب الغزالي يقول فيه: «ثم تطرق الحديث إلى سؤال مني عن علاقتها بالمملكة العربية السعودية فأجابت: إن العلاقة الجيدة مهمة جدا لأمن (الإخوان) الموجودين في المملكة العربية السعودية». ويضيف: «وقد حملتني الحاجة زينب الغزالي رسالة شخصية بهذا المعنى إلى الأستاذ سعيد رمضان - إن وجدته بالمملكة - ورسالة أخرى إلى الشيخ عبد الرحمن أبو الخير، وقالت لي إنه سكرتير الملك سعود وأعطتني رقم تلفونه الخاص». وينقل تحت عنوان «قيادات المهجر» سؤاله لمحيي هلال، أحد الإخوان الذين هاجروا إلى السعودية، قائلا: «وبعد أن سمعت قصته سألته عن حال (الإخوان)، فأجاب: إن (الإخوان) في السعودية قد اختاروا مناع قطان مسؤولا عنهم، و(الإخوان) في إمارات الخليج اختاروا الأخ سعد الدين (الصحيح عز الدين) إبراهيم مسؤولا... مناع قطان هو أحد إخوان المنوفية، وقيل إنه أول مصري يجرؤ على تجنيد سعوديين في دعوة (الإخوان) في مصر للشباب السعودي، ولذلك فإنه قد فرض نفسه مسؤولا عن (الإخوان) بالسعودية دون استشارة أحد». ويضيف: «أخذت الخطاب وذهبت للأستاذ سيد قطب وطلبت مقابلته دون موعد سابق وقابلني، وقرأ الخطاب وأبدى إعجابه الشديد بالإخوة في السعودية، وقال إن هذا دليل على أنهم منظمون جدا، وأنهم على كفاءة عالية من العمل... والحقيقة أنني صرت أتحفظ معها - أي زينب الغزالي - ولا أخبرها بكل ما عندنا من أمور، بعدما أحسست أن أسرارنا من الممكن أن تتسرب في اتجاه لا نريده، خاصة أنه - في هذه الفترة - قد صدر قرار من الأخ مناع قطان المسؤول عن (الإخوان) في السعودية بفصل الأستاذ سعيد رمضان من الجماعة». ومن جانبها تتذكر زينب الغزالي قائلة: «اللواء محمد نجيب الذي كان قد زارني قبل الانقلاب بأيام صحبة الأمير عبد الله الفيصل وياسين سراج الدين والشيخ الباقوري وشقيقي علي الغزالي بمناسبة وجود الأمير عبد الله الفيصل في مصر». (مذكراتها «أيام من حياتي» دار الشروق، الطبعة الثالثة عشرة 1992 ص26). هذا مع التذكير بأن زينب الغزالي تمتلك مصداقية ضعيفة بناء على الكذب الصارخ الذي تحدثت عنه تجاه التعذيب الذي تعرضت له في كتابها. وتتذكر الغزالي أيضا، في موسم الحج عام 1957: «في ليلة من ليالي ذي الحجة كنت على موعد بعد صلاة العشاء مع فضيلة المرحوم الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم المفتي الأكبر للمملكة العربية السعودية حينذاك... وكنا نبحث معا مذكرة قدمتها لجلالة الملك أشرح له فيها ضرورة تعليم البنات في المملكة، وأطلب منه الإسراع في تنفيذ هذا المشروع، مبينة مصلحة المملكة في ذلك، وحولت المذكرة على فضيلة المفتي وطلب مقابلتي». وأضافت: «طلبت من حميدة قطب أن تبلغ الأخ سيد قطب تحياتنا ورغبة الجماعة المجتمعة لدراسة منهج إسلامي في الاسترشاد بآرائه... وأعطيتها قائمة بالمراجع التي ندرسها وكان فيها (تفسير ابن كثير) و(المحلى) لابن حزم و(الأم) للشافعي وكتب في التوحيد لابن عبد الوهاب وفي ظلال القرآن لسيد قطب.. وأعطتني ملزمة من كتاب قالت: إن سيد يعده للطبع واسمه (معالم في الطريق)... وعلمت أن المرشد اطلع على ملازم الكتاب وصرح للشهيد سيد قطب بطبعه... وحين سألته قال لي على بركة الله إن هذا الكتاب حصر أملي كله في سيد... إن سيد قطب هو الأمل المرتجى للدعوة». وتضيف: «ودرسنا كذلك وضع العالم الإسلامي كله بحثا عن أمثلة لما كان قائما من قبل بخلافة الراشدين والتي نريدها نحن في جماعة الله الآن، فقررنا بعد دراسة واسعة للواقع القائم المؤلم، أن ليس هناك دولة واحدة ينطبق عليها ذلك، واستثنينا المملكة العربية السعودية مع تحفظات وملاحظات يجب أن تستدركها المملكة وتصححها». وتضيف: «كانت النقود أربعة آلاف جنيه، وهي قيمة اشتراكات مجموعة من (الإخوان) في السودان والسعودية لمساعدة أسر المسجونين». وعن نشاط زينب الغزالي ودورها قال المجذوب: «كانت الأخت الفاضلة في جولة دعوية لإلقاء الأحاديث الواعظة، في أوساط المدرسات والطالبات والجمعيات النسوية في هذه المملكة الإنسانية». (مصدر سابق) ويذكر الإخواني السوري سعيد حوى أنه كان «حريصا على ألا يحدث تغيير في السعودية لأن التغيير سيجعل مكة والمدينة وأرض العرب في مخاطر مجهولة، كتبت تحليلا حول الوضع في السعودية، وبنيت عليه بعض الاقتراحات، وقد وصل التحليل إلى الملك فيصل رحمه الله، وكانت له آثار طيبة في نفسه كما نقل لي، وتجاوب مع بعض المقترحات، وبعض هذه المقترحات أصبحت الآن واقعا في السعودية». (من كتابه «هذه تجربتي هذه حياتي» سعيد حوى، دار عمار، الطبعة الثانية 1988 ص94). وقد أشار الباحث البحريني باقر النجار إلى صلة بين الوجود القوي لـ«الإخوان المسلمين» في الجامعات السعودية وظهور قادة جدد لـ«الإخوان»، وهو «أن القدرة التعبوية للجماعات الإخوانية في الجامعات السعودية، وتحديدا جامعة الملك سعود، وجامعة الملك فهد (البترول والمعادن سابقا) وفي بريطانيا قد ساهمت مساهمة ملحوظة، في الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، في إطلاق قادة جدد للحركة». وينقل عن أحد المنظمين السابقين لحركة الإخوان المسلمين قسم البحرين قوله: «لقد تم تنظيمي عن طريق خلايا الحركة التي كانت منتشرة في حقبة السبعينيات في الجامعات السعودية، لقد كنا نخضع فيها لاختبار في قدرات التحمل... كأن يطلب منا الخروج في ليالي الرياض الباردة بملابس داخلية... إلا أننا كثيرا ما ندخل دورات فكرية مختلطة الجنسيات من عرب الشام ومصر من المقيمين في المملكة العربية السعودية، أو من أساتذة جامعاتها المحسوبين على حركة الإخوان المسلمين من العرب الوافدين وقلة قليلة من السعوديين». (باقر النجار، «الحركات الدينية في الخليج العربي»، دار الساقي، الطبعة الأولى 2007 ص33). إلا أن دور تنظيمات الإخوان المسلمين في الخليج مع تنظيم الإخوان الأم، مثلما سبقت الإشارة إلى ملاحظة النفيسي، ظل يشبه دور البقرة الحلوب، يلعب دور الممول بالمال فحسب، فرغم «تدني موقعها مقارنة بالجماعات العربية الأخرى كالمصرية والسورية والأردنية التي ما زالت تحتكر المواقع القيادية في التنظيم وتمارس فوقية معرفية وآيديولوجية في تعاملها مع فروعها الخليجية التي منذ تأسيسها في الأربعينات حتى الآن، لم تبارح دور الممول و(البقرة الحلوب) للتنظيمات الإسلامية العربية الأخرى في مصر وبلاد الشام والمغرب والجزائر». مع كل الدعم السعودي لـ«الإخوان» واستقبال زعمائهم وكوادرهم في أحلك لحظات تاريخهم فإن التلمساني زعم قائلا: «وكم حملوا - أي الإخوان - على القصر في نشراتهم ورسائلهم وكم كتبوا إلى كل حكام المسلمين يناشدونهم العودة إلى كتاب الله حتى ضاق كل حكام العالم الإسلامي بـ(الإخوان المسلمين) وإلحاحهم على وجوب تطبيق كتاب الله وأوجس حكام المسلمين خيفة من (الإخوان المسلمين) عندما رأوا شعوبهم تسارع إلى الانضواء تحت الدعوة السلفية النقية الطاهرة البريئة النزيهة دعوة (الإخوان المسلمين)، وقد علم العالم كله أن المرحوم الملك عبد العزيز بن سعود عندما لمس قوة (الإخوان) وسريان دعوتهم في قلوب المسلمين قاطبة عندما أحس بهذا الخطر الزاحف على الملكية المتسلطة المستغلة حذر الملك فاروق من خطورة دعوة حسن البنا وانتهى هذا التحذير بعد ذلك باغتيال الإمام الشهيد حسن البنا وإقامة الملك فاروق للأفراح في قصوره عندما انتهى إليه نبأ الاغتيال». ومع أن هذا الكلام تكرار لنكران حسن البنا لجميل السعودية فإنه يحتوي على تناقضات ظاهرة منها: أ- كيف يزعم أن الملك عبد العزيز حذر فاروق من «الإخوان» وهو الذي كان يكرمهم في بعثات الحج كما تقدم؟! ب‌- كيف يزعم أن هذا التحذير أدى لاغتيال البنا، والملك عبد العزيز قد وفر للبنا حماية أمنية خاصة في حجته الأخيرة؟! ت- كيف يقول واصفا هذه الحكاية: «وقد علم العالم كله» وأنا لم أجد هذه القصة في كل المراجع التي رجعت إليها إلا لدى التلمساني وحده؟! وفي عهد التلمساني وفي عام 1977 «بدأت وفود الجماعة تتحرك للخارج لتصل ما انقطع، وجاء المرحوم كمال السنانيري (نظام خاص) لمنطقة الخليج في هذه المهمة، وقد نجح في مهمته لدى إخوان الخليج والجزيرة عموما». (عبد الله النفيسي، مصدر سابق). و«النظام الخاص» أو «التنظيم السري» لقب يطلق على تنظيم عسكري أسسه البنا تحت شعار «الإعداد لفلسطين»، وقد نفذ عددا من عمليات الاغتيال لشخصيات مصرية عامة وعددا من التفجيرات، وسيأتي الحديث عنه بشكل أوسع لاحقا. ثم جاء مأمون الهضيبي الذي أصبح مرشدا عاما للجماعة لاحقا، والأخير وصل للسعودية بغرض الحج ثم التحق بالعمل في قسم الحقوق العامة وقسم الحقوق الخاصة بوزارة الداخلية السعودية، ثم ذهب لمصر وعاد ثانية لعمله في السعودية، وبقي فيها حتى «زار الأستاذ عمر التلمساني مرشد (الإخوان) في ذلك الوقت السعودية للحج في منتصف الثمانينيات وقابلته وطلب مني النزول إلى القاهرة» بحسب حوار له منشور على «شبكة الإخوان الإلكترونية». وعن التنظيم الدولي واستخدامه الأراضي السعودية يقول يوسف القرضاوي: «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين كان يعقد اجتماعات في مكة المكرمة والمدينة المنورة أثناء مواسم العمرة والحج». (القرضاوي، مصدر سابق).

تاريخ العلاقة بين «الإخوان» والسعودية (2 )

منقول :
جريدة الشرق الاوسط

البنا لم يتردد في مهاجمة السعودية.. وانقلاب 1948 في اليمن شكل بداية التوتر - الحلقة (2)

عبد الله بن بجاد العتيبي
في عام 1936، توجه حسن البنا للحج أول مرة في حياته. ويشير مؤرخ الإخوان، شبه الرسمي، محمود عبد الحليم إلى هذه الحجة فيقول: «الأستاذ المرشد قد كاشفنا بأن فكرة الهجرة بالدعوة إلى بلد آخر من البلاد الإسلامية يكون أقرب إلى الإسلام من مصر، قد سيطرت على تفكيره وملأت نفسه». ويضيف عبد الحليم نقلا عن كلمة البنا، بعد عودته من الحج، قوله: «وقد اتصلت بالمحكومين والحكام في كل بلد إسلامي، وخرجت من ذلك باقتناع تام بأن فكرة الهجرة بالدعوة أصبحت غير ذات موضوع وأن العدول عنها أمر واجب». ثالثا: التعارف. 1936 - 1948. التقى البنا، في هذه الحجة، بالملك عبد العزيز، ولهذا اللقاء قصة يرويها عبد الحليم عن البنا قائلا: «اعتاد الملك عبد العزيز آل سعود أن يدعو كل عام كبار المسلمين الذين يفدون لأداء فريضة الحج إلى مؤتمر بمكة المكرمة، تكريما لهم وليتدارسوا أحوال المسلمين في العالم... وطبعا لم توجه إلينا دعوة باعتبارنا من عامة الحجاج». قال: «علمت بموعد هذا المؤتمر وبمكانه الذي سينعقد فيه، فأعددت نفسي والإخوان المائة في هيئة موحدة هي الجلباب الأبيض والطاقية البيضاء... وفي الموعد المحدد فوجئ علية القوم المجتمعون بمائة رجل في هذه الهيئة، يخطون خطوة واحدة يتوسط الصف الأول منهم رجل منهم هو المرشد العام... فكان هذا حدثا مثيرا للالتفات»، وتحدث المتحدثون. ثم يضيف البنا: «فطلبت الكلمة واعتليت المنصة وارتجلت كلمة كانت أطول كلمة ألقيت، وكانت الكلمة الوحيدة التي أيقظت الحاضرين وقوبلت بالإعجاب، واهتزت لها المشاعر.. وما كدت أنهي كلمتي حتى أقبلت علي جميع الوفود تعانقني وتشد على يدي، وتعاهدني وتطلب التعرف علي وعلى من معي وتفتح قلوبها للفكرة التي تضمنتها كلمتي». وقد نشر هذا الخبر، كما يشير محمود، في العدد الأخير من «جريدة (أم القرى)، وهي الجريدة الوحيدة التي تصدر في السعودية في ذلك الوقت، وكانت جريدة شبه رسمية... وتصفحنا الجريدة وكانت قليلة الصفحات فوجدنا يشغل مكان الصدارة فيها خطاب للأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين». ويشير عبده دسوقي إلى تفاصيل هذا الخبر فيقول: «كما أن جريدة (أم القرى) كبرى الجرائد السعودية رحبت بالإمام البنا وصحبه فنشرت تحت عنوان: (على الرحب والسعة)، تقول: وصل على الباخرة (كوثر) التي أقلت الفوج الأخير من الحجاج المصريين كثير من الشخصيات المصرية المحترمة لم تسعفنا الظروف بالتعرف إليهم إلا بعد صدور العدد الماضي، وإنا نذكر منهم الأستاذ الكبير حسن أفندي البنا المرشد العام لجمعية الإخوان المسلمين» (عبده دسوقي: «في رحاب الحج.. الإمام البنا وبعثات الحج للإخوان المسلمين» موقع الشبكة الدعوية على الرابط التالي: «http://www.daawa - info.net»). ويعلق محمود عبد الحليم على هذه الحادثة قائلا: «وبدأ آل سعود يتعرفون على الداعية الجديد». ولعله في هذه السنة 1936 كان اللقاء الشهير بين حسن البنا والملك عبد العزيز، الذي طلب فيه البنا إنشاء فرع لجماعة الإخوان المسلمين في السعودية، فكان جواب الملك عبد العزيز ذكيا ودبلوماسيا حين رفض الطلب قائلا للبنا: «كلنا إخوان مسلمون». وجاءت الإشارة إلى هذا الموقف من إنشاء فرع للإخوان المسلمين في السعودية، عند هاشم عبد الرزاق صالح الطائي، حيث يقول: «ورغم ذلك لم يتمكن تنظيم الإخوان المسلمين من فتح فرع له في المملكة العربية السعودية، ورفضت كل الطلبات التي قدمت من قيادات الإخوان بهذا الشأن». («التيار الإسلامي في الخليج العربي: دراسة تاريخية»، بيروت، مؤسسة الانتشار العربي، الطبعة الأولى2010 ص136). وعن نشاط البنا في مواسم الحج، قال محمد المجذوب: «وفي العام 1945 وفقني الله لأداء فريضة الحج... وهناك التقيت بالإمام الشهيد واستمعت إلى بعض محاضراته، التي كان يدعو إليها رؤساء الوفود الإسلامية سواء في مكة المكرمة أو في المدينة المنورة». («علماء ومفكرون عرفتهم»، الرياض، دار الشواف، الطبعة الرابعة بلا تاريخ نشر 2-99). وفي رحلة البنا للحج عام 1946، يقول عبده دسوقي: «ولقد أقام الملك عبد العزيز مأدبة غداء لبعثة الإخوان، كما أقام الإخوان حفل شاي للأمراء والحجاج البارزين في فندق بنك مصر». نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» مذكرات الشاعر عبد الله بلخير، مترجم الملك عبد العزيز، وأول وزير إعلام سعودي، التي قال فيها: «ومن الشخصيات البارزة التي أدت فريضة الحج... في تلك الأيام... وعرفنا واستمعنا إليها واجتمعنا بها مع ألوف المجتمعين والزائرين الأستاذ العظيم حسن البنا... كان يحج في عدد قليل من رجال الإخوان المسلمين، ويحرص أشد الحرص على لقاء الملك عبد العزيز والاجتماع به والتحدث إليه والإصغاء لما يفضي به إليه، وكان ينزل منزلة الكرامة والإكرام من الملك فيلبي طلبه في الحال كلما أبدى رغبة في لقاء جلالته». (الحلقة رقم 20 المنشورة بتاريخ: 13 يناير/ كانون الثاني 1986). وتشير جريدة «الإخوان المسلمين»، إلى مراسلات «بين الملك ابن السعود وفضيلة المرشد العام». (جريدة الإخوان المسلمين، العدد: 639 ص2 بتاريخ: 21-7-1948». وتجدر الإشارة هنا إلى أن جريدة الإخوان المسلمين كانت تصدر بمعدل خمسة أعداد كل شهر، وأنها كانت تعد مسألة فلسطين أولوية سياسية وفكرية في خطابها، يتلوها مسألة الصراع السياسي المصري الداخلي الذي يتضمن مسألة الاغتيالات السياسية بشكل واسع. وذكر دسوقي عن حجة البنا عام 1948 حكاية لم أجدها في مصادر أخرى فقال: «ومن ناحية أخرى فإن الحكومة المصرية أعدت العدة لقتله (أي البنا) في السعودية، على أن تنسب الجريمة إلى بعض اليمنيين! وكان أمير الحج المصري حامد جودة (رئيس مجلس النواب الذي ينتمي إلى الحزب السعدي) قد صحب معه بعض الأشخاص الخطرين، ولكن الحكومة السعودية استشعرت ذلك فأنزلت المرشد العام ضيفا عليها وأحاطت مقره بحراسة شديدة وقدمت إليه سيارة خاصة بها جندي مسلح لمنع الاعتداء عليه». ويذكر عباس السيسي أنه «حين زار الملك عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية مصر عام 1945 استقبلته جوالة الإخوان المسلمين في مطار القاهرة بالمشاعل والهتافات الإسلامية مرحبين بمقدمه وحين تحدد موعد زيارته للإسكندرية... تجمعت فرق جوالة الإخوان بالإسكندرية في ملعب الأولمبي لتنظيم برنامج الاستقبال في الساعة الثامنة من صباح ذلك اليوم، وفي هذا الوقت المبكر قدم من القاهرة الأخ الأستاذ سعد الدين الوليلي المراقب العام للإشراف على تنظيم الاستقبال، فاستقبلته وأديت له التحية... ثم أمرني أن أجمع الإخوان الجوالة في طابور... وبعد أن أخذت التمام عدت إليه... قائلا تمام يا أفندم، العدد 850 من الإخوة. قال: نظمهم فصائل... ثم قام مع الأخ حسن سالم مراقب جوالة الإسكندرية بتوزيع الإخوة على أماكن الاستقبال من محطة السكة الحديد إلى قصر الملك فاروق في رأس التين.. الاستقبال الذي فاق كل تصور وكان يوما مشهودا للإخوان المسلمين» («حكايات عن الإخوان»، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1998، الجزء الثاني ص90). ويذكر يوسف القرضاوي الحادثة نفسها فيقول: «كانت رحلة إلى الإسكندرية بمناسبة زيارة الملك عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية إلى الإسكندرية. وكان طلبة الأزهر يكنون مشاعر مودة وتقدير لابن سعود، لما شاع عنه أنه يطبق أحكام الشريعة السمحة، ويقيم الحدود، ويحكم بالكتاب والسنة. ولهذا سافرنا إلى عروس البحر الأبيض (الإسكندرية)، لنستقبل ابن سعود... وقد كنت أعددت قصيدة كان طلاب المعهد ينشدونها، ويهتفون ببعض أبياتها، أذكر منها: ملائكة تلك أم أنبياء أم ابن السعود إلى مصر جاء فأهلا وسهلا بأكرم ضيف ويا مرحبا بالسنا والسناء» («ابن القرية والكتاب» 1-212). وقد تحدث الأديب أحمد حسن الزيات، صاحب «مجلة الرسالة»، عن هذه الزيارة، وذكر عظمة الاستقبال وأنه جمع الألوف المؤلفة. («وحي الرسالة»، الطبعة الخامسة، 1964. مكتبة نهضة مصر بالفجالة، ج3 ص260). وبحسب محمود عبد الحليم، فإنه لما تحمس الإخوان لعقد مؤتمر عربي من أجل فلسطين، وجهت جماعة الإخوان المسلمين دعوات لرجالات البلاد العربية، وحضر المؤتمر فارس الخوري من سوريا وغيره، وكما يروي محمود عبد الحليم فقد «صار يتوافد على المركز العام رجال كثيرون من زعماء البلاد العربية والإسلامية ومن ذوي الرأي فيها، وكان ممن توافد الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود والأمير أحمد بن يحيى ومعهما بعض إخوتهما، أوفدوا من قبل والديهم ملك السعودية وإمام اليمن، ليتفاهموا مع الحكومة المصرية ومع الإخوان المسلمين فيما يجب عمله لإنقاذ فلسطين». وهنا «طلبت (إنجلترا) عقد مؤتمر من أجل فلسطين في لندن يضم العرب واليهود وممثلي الحكومة البريطانية، وكان من ممثلي العرب عدا عرب فلسطين الأميران فيصل بن عبد العزيز وأحمد بن يحيى، واشترك الإخوان في المؤتمر باعتبارهم سكرتيرين للأميرين ومترجمين لهما، وأذكر أن ممن أوفد الإخوان الأخ محمود أبو السعود وكان طالبا بكلية التجارة ويجيد اللغة الإنجليزية كتابة وتحدثا، وسمي هذا المؤتمر بمؤتمر المائدة المستديرة». كانت لمحمد رشيد رضا علاقة وثيقة بالملك عبد العزيز، وقد دعمه الملك بشتى أنواع الدعم، حتى إنه كما ينقل رشيد رضا: «كتب إلي أنه يعدني من الأسرة السعودية» (شكيب أرسلان في كتابه عن رشيد رضا، ص622) ويقول حمد الجاسر عنه: «محمد رشيد رضا العالم السلفي الذي كان ذا صلة قوية بالملك عبد العزيز، وبعلماء نجد، لمؤازرته للدعوة السلفية بنشرها والإشراف على طبع كتبها» (من سوانح الذكريات، ج1 ص316). وكان لحسن البنا علاقة وثيقة بمحمد رشيد رضا، يذكرها محمود عبد الحليم فيقول: «لم يكن الأستاذ غريبا على أسرة الشيخ رشيد فلقد كان على صلة وثيقة بالشيخ منذ كان طالبا بدار العلوم، وكانت دار (مجلة المنار) ملتقاه بأكثر من التقى بهم من رجالات الحركة الإسلامية في ذلك العهد... وظل الأستاذ على اتصال بالشيخ بعد قيام دعوة الإخوان وكان يستشيره في كثير من الأمور». وقد كانت وفاة رشيد رضا في طريق عودته للقاهرة بعد رحلته للسويس لوداع الأمير سعود بن عبد العزيز حيث «أتعب ذهنه وجسده: أتعب ذهنه بإجهاده بالنصائح والوصايا لولي العهد (شأنه مع كل من يتوسم فيه خيرا) وأتعب جسده بركوب السيارة إلى السويس ذهابا وإيابا». وقد تولى حسن البنا إصدار الأعداد الأخيرة من «المنار» قبل توقفها النهائي. رابعا: الاختلاف حول اليمن. 1948. كانت ثورة اليمن 1948 بداية توتر العلاقة بين السعودية والإخوان المسلمين، وعن دور الإخوان في هذه الثورة يذكر محمود عبد الحليم أن «فكرة إعداد الشعب اليمني للثورة قد نبتت في المركز العام». ويضيف: «عند تناول ثورة اليمن نجد أنفسنا أمام شخصيتين من غير اليمنيين كانا قطبي رحى هذه الثورة هما: الفضيل الورتلاني وعبد الحكيم عابدين». والورتلاني جزائري يعد أحد أخطر أتباع البنا وعابدين صهر البنا. ويضيف عبد الحليم فيذكر عن دعوة الإخوان أنه قد «صار للدعوة وجود في كل بلد عربي»، وأن «الإخوان يقيمون الدول ويسقطونها». أبدى الإخوان غضبهم من الملك عبد العزيز لوقوفه ضد هذه الثورة. يقول محمود عبد الحليم: «وبعد هذا التلكؤ قام الوفد (أي وفد الجامعة العربية) ولم يتوجه إلى اليمن مباشرة كما كان ينتظر، بل اتجه إلى السعودية ومكث في السعودية أياما تلقى نصائح العاهل السعودي الذي قد لا يسعده أن يقوم حكم في جارته المتاخمة له يضرب بنظام الوراثة والأسر المالكة عرض الحائط ويختار الأصلح غير عابئ بالأسرة التي ينتمي إليها». ويضيف عبد الحليم: «كان لهذه الثورة آثار على المستوى المصري وأخرى على المستوى العربي... أما على المستوى المصري، فإنها ألقت في روع القائمين على الحكم في مصر أن هذه الثورة نذير لهم بين يدي عذاب شديد، فليلقوا بثقلهم أولا لإحباطها ثم ليعدوا العدة للقضاء على مدبريها وهم الإخوان المسلمون الذين بلغوا أشدهم حتى إنهم يقيمون الدول ويسقطونها. فوجد فاروق في مصر تجاوبا لأحاسيسه عند عبد العزيز آل سعود في السعودية، وقد قربت ما بينهما وأنستهما الخلافات التي كانت بينهما». ومن هذا الموقف، أصبحت السعودية حذرة في تعاملها مع حسن البنا. قال فهمي أبو غدير: «سعدت بصحبة أستاذي الأستاذ البنا في مكة موسم حج 1367هـ - 1948 وتوثقت الصلة بيني وبين أحد النجديين المتحركين المتصلين (كذا)... نصحني لله ألا أعود لمصر هذا العام، الاعتقالات والسجون والمنافي والمحاكمات والمشانق والاغتيالات في انتظاركم!! وعهد الله أنني أجوب معك نجد والحجاز داعين إلى درب الإخوان المسلمين... تبسم البنا عندما سمع بذلك (وقال:) ألا تعلم أن الحكومة السعودية لم تسمح لي بالحج هذا العام إلا بعد أن تعهدت بعدم الخطابة والكلام في السياسة؟ قلت: بلى. فكيف تسمح بالدعاية للإخوان؟». (في تقديمه لكتاب حسن البنا «قضيتنا» ص 1 منشور على موقع الشبكة الدعوية على الرابط التالي: «http://www.daawa - info.net»). تطرقت «جريدة الإخوان المسلمين»، في بعض أعدادها لمشكلة اليمن، فمن ذلك قولها: «ولكنا نقول لعل أفضل أساس تقترحه الجامعة العربية لوحدة الأمة اليمنية أن تتشدد أولا في صورة نظام الحكم الذي يجب أن تكون عليه اليمن بحيث يكون حكما إسلاميا دستوريا». («جريدة الإخوان المسلمين»، العدد 574 ص2 بتاريخ: 3-5-1948). وما ذكرته تحت عنوان «بعثة الإخوان المسلمين في اليمن: تصريحات للأستاذ عبد الحكيم عابدين رئيس البعثة». (المصدر نفسه، العدد 636 ص3 بتاريخ 17-8-1948). ومع كل العناية والرعاية التي لقيها البنا من السعودية والتي يقول عنها د. محمد حسين هيكل: «قيل لي وأنا بالحجاز إن له (أي البنا) صلة بالحكومة السعودية وإنه يلقى منها عطفا ومعونة» (نقلا عن كتاب حلمي النمنم) إلا أنه كان يتهجم عليها في بعض الأحيان، ومن ذلك ما ذكره أخوه جمال البنا في كتابه المذكور أعلاه عن رسالة من «الشيخ أبو السمح (إمام الحرم ومقرب من الملك) للوالد يقول: هذا وبلغوا سلامي وعتبي لنجلكم حسن أفندي، وذلك أنه نشر في (النذير) لولدنا عبد اللطيف مقالا عنوانه (من صعلوك إلى ملك) باسمه الصريح... فكان حقا على الأخ حسن أفندي... أن يلاحظ صلتنا وصلتكم بجلالة الملك العربي المسلم ويحافظ عليها، فلا يترك مجالا لسفيه كهذا يكتب ما كتب مما أساءنا وأساء الملك».. ص55. وهو أمر مارسه البنا تارة أخرى عبر «جريدة الإخوان المسلمين» وذلك بالتشكيك في الحاج عبد الله فلبي أحد مستشاري الملك عبد العزيز، تحت عنوان: «الحاج عبد الله فلبي: هل هو من المسلمين الأطهار أم من دعائم الاستعمار؟» ما نصه: «أما أنا فلا ألوم المستر فلبي، فهو رجل قد وقف نفسه على خدمة أمته وبلاده، إنما ألوم العرب إذا انخدعوا بأمثال هؤلاء وغرتهم مظاهرهم. ألوم أولئك الذين لا يزالون يعتقدون بإخلاصهم وولائهم، وكم أرجو لو أعادوا النظر، وفيما بدر عبرة لمن اعتبر» (العدد 211 ص5 المنشور بتاريخ: 11-1-1947) وقد رمز لاسم الكاتب بحرفين هما: (م.ع) ما يشير إما إلى مسلم عربي، أو مصري عربي، وقد تردد مثل هذا الرمز في كثير من أعداد الجريدة، ويبدو من استقراء الجريدة أن كاتبه إما حسن البنا نفسه أو أحمد السكري أو أحد المقربين من البنا. خامسا: العلاقة مع الضباط الأحرار. ودور السعودية. ما بعد 1952. تولى حسن الهضيبي منصب المرشد العام بعد اغتيال البنا بعامين ونصف العام تقريبا، فقد اغتيل البنا في 12 فبراير (شباط) 1949 وتولى الهضيبي في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 1951 وفي عصره مر الإخوان المسلمون بواحدة من أسوأ لحظات تاريخهم فقد ناصبوا ما كان يعرف بـ«ثورة الضباط الأحرار» العداء ولم يدخر الضباط جهدا في رد العداء بعداء أشرس وأقسى، فكان حل الجماعة الثاني ثم الاعتقالات في 1954 وفي 1964 وقبلها وبعدها. وقد أودع الإخوان السجون وتعرضوا للاعتقال والتعذيب والتنكيل، وأعدم بعض رموزهم، وهرب من استطاع النجاة منهم إلى الخارج، وخصوصا إلى السعودية ودول الخليج. وقال علي عشماوي، وهو آخر قادة التنظيم الخاص: «لقد حضر الملك سعود للوساطة بين الإخوان والحكومة بعد الحل الأول، وفعلا جامله أعضاء الثورة وفتحوا صفحة جديدة مع الإخوان». («التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين»، مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية 2006. ص51). وهو ما يشير إليه يوسف القرضاوي بقوله: «وقد قيل: إن هذا الانفتاح كان بناء على وساطة من الملك سعود ملك المملكة العربية السعودية». (مذكرات القرضاوي بعنوان «ابن القرية والكتاب» 2-179). قال نبيه عبد ربه: «شاءت الأقدار أن يكون الأستاذ الهضيبي في سوريا ولبنان في صيف عام 1954 بعد زيارة للمملكة العربية السعودية قام بها في أول ذلك الصيف إجابة لدعوة من الملك السابق سعود بن عبد العزيز رحمه الله. كان الهضيبي موضع الحفاوة والتكريم في جميع الأوساط الدينية والاجتماعية والسياسية في البلدين الكريمين، متنقلا بين المدن والقرى في أحفال عامة». («حسن الهضيبي، المرشد الثاني للإخوان المسلمين»، الأردن، دار الضياء، الطبعة الأولى 1987. ص37).