الاثنين، 2 أكتوبر 2017

عقدة المؤامرة السورية

عبدالحق صادق

أصبحت الأزمة السورية الشغل الشاغل للعالم شعوب وحكومات ومنظمات، فلا يكاد يخلو يوم من مؤتمر أو فعالية لحل الأزمة السورية أو دعم الشعب السوري أو إدانة الأفعال الإجرامية فيها. 
ورغم ذلك المعارضة والنظام يقولون توجد مؤامرة كونية على سوريا، وخذلنا العالم، يرمون بسوء أفعالهم على الآخرين وأكبر الداعمين لهم، ولا يرون أن المشكلة فيهم، وأن عليهم مراجعة أنفسهم وفكرهم السياسي وإصلاحهم، وتصحيح  الخطأ والمسار.

 أضحت المؤامرة عبارة عن مخدر تخدرهم عن البحث عن جذور المشكلة التي فيهم، لكي لا يشعروا بالألم، وعبارة عن مخرج للهروب من الاعتراف بالخطأ والفشل الذي دوافعه الاستعلاء والاستكبار.
وأخطر ما في عقدة المؤامرة أنها تشل قدرة العقل عن التفكير والتحليل السليم، وتجعل المرء لا يميز عدوه من صديقه، فيصنع رمز من أعدائه وجلاديه وخائن وعميل من أشرف وأكبر الداعمين له، هذا التصور أدى إلى ما نراه على أرض الواقع، وتعقيد الأزمة، وإطالة زمنها، والزمن في سوريا يعني وطن يدمر وأجيال تضيع ودماء تسيل وأرواح تزهق وشعب يهجر، ومن هنا تكمن خطورة هذا التصور.

إنني لا أنكر وجود المؤامرة في سوريا ولكنني أنكرها بالشكل الذي تتصورها المعارضة والنظام.
 أرى إن إيران وتركيا هم الفاعلون الرئيسيون على أرض الواقع في سوريا، وهم المتآمرون على سوريا والدول العربية والإسلامية، وهم الذين دمروها بتبادل الأدوار بينهما، وتحويل الصراع إلى صراع وجود، والإخوان وسيلتهم لتنفيذ المؤامرة، والعلاقة بين إيران والإخوان وتركيا وقطر شراكة استراتيجية في مشروع مشترك.

وثقت المعارضة بتركيا الإخوانية وسلمتها زمام أمورها وتعتبرها رمز وأفضل داعم لها، وتركيا هي التي قضت على المعارضة الوطنية السورية المعتدلة، عن طريق تسليحها وحرف مسارها السلمي نحو التطرف والإرهاب، وتمزيقها واغتيال كوادرها وتهميشهم وتهجيرهم، وإدخال وتقوية التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وتمكينها من السيطرة على مناطق المعارضة، التي أجهزت على المعارضة المعتدلة، وأدت إلى تدمير سوريا وتهجير شعبها.

وثق النظام بإيران وسلمها زمام أموره و يعتبرها حليف مخلص، وإيران هي التي غدرت به وخانته وهمشته وانتزعت صلاحياته ودمرت بلده وقتلت شعبه، ورمت بجرائمها عليه، وأظهرته بأبشع الصور بنظر العالم. إنني لا ألوم هؤلاء بقدر ما ألوم الشعب السوري الذي يدعي الوعي وأنه من أفهم شعوب العالم في السياسة، لأن الذي يقع ضحية المؤامرة إما جاهل أو خائن أو عميل أو أناني غير وطني تهمه مصالحه الشخصية على حساب دينه ووطنه وأمته...

والمصيبة الأكبر أنهم لا يستمعون لنصح العقلاء والأصدقاء، وإذا اتضحت لهم الحقيقة لا يعترفون بالخطأ و يصححوا المسار حتى يرفع الله عنهم البلاء، لأن التغيير شرط أساسي لرفع البلاء.
 من غير المنطقي أن تلوم العدو وتبرأ صاحب المصلحة والقضية لأن العدو من الطبيعي أن يتآمر. ومن العبث الحديث ليل نهار عن المتآمر والمؤامرة وخاصة إذا كان معروف لعامة الناس، ولا تتم مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ وتصحيح المسار.
أرى أن عقدة المؤامرة المتجذرة في الشعب السوري هي السبب الرئيسي عما حصل ويحصل في سورية. فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وليس حتى يغير المتآمرون أنفسهم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.