الحمد لله الذي علم بالقلم علم اﻹنسان ما لم يعلم والصلاة والسلام على النبي اﻷكرم المبعوث رحمة للأمم وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
أنتقل اليوم للحديث عن المحور الثاني من المحاور المتبقية وهو علاقة غلاة النصرة بجند اﻷقصى وحمايتهم لهم ومنع المساس بهم رغم ضلوعهم في معظم جرائم القتل والاغتيالات التي وقعت وتقع في الشمال السوري ورغم توفيرهم الملاذ اﻵمن للدواعش الذين ينتوون تنفيذ عمليات التفجير في مختلف الفصائل.
ورغم إمساك خلايا منهم مسك اليد أكثر من مرة إﻻ أن الجند آمنون مطمئنون فظهرهم مشدود بغلاة النصرة الذين لن يسمحوا ﻷحد باﻻقتراب منهم أو المساس بهم.
وفصيل جند اﻷقصى انشق عن جبهة النصرة في الشهر الثامن من عام 2013م أي قبل اقتتال الفصائل وداعش بخمسة أشهر تقريباً على إثر خلافات مع النصرة حيث قدموا ﻻئحة لقيادة جبهة النصرة من عشر طلبات أبرزها الخلل والفساد اﻹداري وتهميش المهاجرين كما طالبوا بتعيينات لهم وتفعيل الشورى وتلك هي اﻷسباب الظاهرة -التي أبدوها- لكن السبب الرئيس كان إعلان حل جبهة النصرة من قبل البغدادي ودمجها في الدولة تحت مسمى الدولة اﻹسلامية في العراق والشام، فحدث انشقاقهم قبل أن يأتي رد الدكتور أيمن الظواهري وبعد أن أعلن البغدادي حل جبهة النصرة حيث اعتزل قسم من المهاجرين في كل قاطع فلم ينضووا تحت راية الجبهة وﻻ الدولة حتى يأتي رد الدكتور الظواهري وحين أتى الرد قالوا لقيادة النصرة لن نعود حتى تحققوا المطالب العشر التي طلبناها وحتى تلبوا شروطنا وكان أكبر تجمع لهم في جبل الزاوية (60 عنصرا تقريبا) وفي حلب (80 عنصرا تقريبا) وفي حماه (10عناصر) وهكذا رأى القوم أن قيادة النصرة لم تحقق شروطهم ولم تلب مطالبهم فخرجوا بتشكيل جديد يحمل اسم (جند اﻷقصى) وكان من الفصائل التي أظهرت الحياد واعتزلت القتال الذي نشب بين الفصائل وداعش ابتداء مع أن ميولهم لداعش لم تكن تخفى على من يزورهم أو يتردد عليهم.
وكبر الفصيل حين انضم إليه سرايا القدس بعد أن نشب خلاف على الغنائم بين (أبي مصعب سراقب) وجبهة النصرة فانشق عن الجبهة وظل مستقلا ﻷشهر ثم بايع جند اﻷقصى وعينوه أميرا عليهم وقُتل -رحمه الله- في معارك الخزانات قبيل تحريرها وكانت اﻷخبار تتوالى عن التصاق الفصيل بداعش وعن وجود بيعة سرية في عنق الجند لداعش إﻻ أن أحدا لم يعر اﻷمر انتباها ولم تُلق الفصائل له باﻻ.
وكنت قد أشرت في اﻷجزاء اﻷولى من الشهادة أنهم كانوا العائق الرئيس في محاولة نزع فتيل أحداث جبل الزاوية وأنهم هددوا النصرة إن قبلت بالصلح أو التحاكم فإنها ستكون خاتمة المطاف في علاقتهم بها وأن طلاقا بائنا سيقع بين النصرة والجند.
كثيراً ما كانت التحقيقات تكشف أن المفخخات التي كانت تنفجر هنا وهناك تخرج من مقرات الجند وأن فرق الاغتيالات والكواتم تخرج من مناطق الجند وأن العبوات الناسفة التي تزرع على جوانب الطرق وتستهدف القادة -وحصدت أرواح الكثيرين خاصة من قيادات اﻷحرار تخرج من مناطق الجند ولم يحرك أحد ساكنا أو ربما لزخم اﻷحداث وتسارعها كان يصعب تسليط الضوء على الجند أو فتح باب شر جديد أو إشعال نار فتنة مع فصيل جديد.
وظلت فعالهم طي الكتمان ونشاطاتهم في الظل إلى ما بعد أحداث جبل الزاوية فما قبل أحداث الجبل مجرد اتهامات وقرائن وسأورد نموذجا لحادثة وقعت قبل أحداث جبل الزاوية وأثبتت التحقيقات أن المفخخة التي يقودها انتحاري خرجت من مناطق الجند لكن القضية نسيت أو أنسيت مع تراكم اﻷحداث وتزاحمها فقبل هجوم النصرة والجند على جبل الزاوية بشهرين ونيف زار موفدون من النصرة قائد لواء شهداء إحسم وعرضوا عليه الانشقاق عن جبهة ثوار سوريا وهم جاهزون لدعمه وتعويضه عن أي نقص يحصل بسبب انشقاقه عن الجبهة.
وهذا يدخل في الركيزة الثانية من ركائز تفكيك الفصائل وهي عزل الخصم وتحييده بقصد إضعافه قبل اﻹجهاز عليه.
رفض قائد اللواء العرض وبعد مرور شهر أي قبل أحداث جبل الزاوية بشهر هاجمت سيارة مفخخة مقر اللواء أثناء استعداد عناصر اللواء للتوجه نحو مورك وقُتل ثمانية عناصر من بينهم القائد العسكري ودُمر المقر بالكامل كما دمُر قسم كبير من سلاح اللواء وآلياته وتبين أن المفخخة خرجت من مناطق الجند إﻻ أن ملف القضية طوي كما طوي غيره وكما أسلفت فإن نشاطاتهم ظلت سرية وطي الكتمان ولم يسلط عليها الضوء حتى انتهت أحداث جبل الزاوية وخان السبل وبدأت بعدها وتيرة الاغتياﻻت والعبوات في الازدياد بمحاذاة مناطق سيطرة الجند ولعل من تابع اﻷجزاء اﻷولى للشهادة قد قرأ أننا حين سعينا في اﻹفراج عن عناصر النصرة والجند المحتجزين لدى حركة حزم استخرج عناصر حزم من جيوب بعض عناصر الجند بطاقات هوية اﻹنتساب للدولة اﻹسلامية في العراق والشام وكان اﻷخ مرشد (أبو المعتصم ﻻ يريد إطلاقهم فطلبت إليه إطلاقهم وتصوير بطاقات الهوية ﻷنهم محسوبون على جند اﻷقصى وبلغت أمير الجند أبا ذر الجزراوي الخبر ﻻحقا.
لكن مع مرور اﻷيام بدأت اﻷخبار تتواتر أن أكثر من نصف الجند مبايعون للدولة وأن ثلثهم يرونهم إخوة الجهاد والدرب وأن عشرة في المئة فقط ﻻ يؤيدون الدولة وهذا شأنهم وهم أحرار في رؤيتهم ما لم تجلب ضرراً على بقية الفصائل لكن أن تصبح مقراتهم خلايا أمنية لتنفيذ الاغتياﻻت وتسيير المفخخات وتجهيز العبوات ﻻغتيال القيادات وضرب المقرات وزعزعة اﻷمن في المناطق المحررة فتلك لعمر الله قاصمة الظهر.
وكما ذكرت فإن الجند فصيل صغير ﻻ يتجاوز تعداد مقاتليه في أحسن الأحوال ألفا ونيفا من المقاتلين لكنهم يستمدون قوتهم من غلاة النصرة ويحتمون بهم ومع اﻷسف الشديد فإن غلاة النصرة جاهزون كلما وقع الجند في أزمة ﻹخراجهم منها وسأتناول قضية اغتيال الشيخ الشهيد -بإذن الله- مازن قسوم كمثال يوضح بجلاء اختباء الجند وراء غلاة النصرة واحتماءهم بهم وقيام غلاة النصرة بمهامهم وواجبهم تجاه الجند على أكمل وجه.
وقد يسر الله لي الاطلاع على خبايا ملف القضية ووقفت على تفاصيله فرأيت ما تشيب له نواصي الولدان وأدركت أن شرع الله الذي يتدثر به القوم ﻻ يعدو أكثر من كونه شعارات ﻻ وجود لها على اﻷرض وإعلانات سرعان ما تكتشف زيفها ودعايات لبضاعة القوم المزجاة المتفلتة من عقل الشريعة.
وإليك تفاصيل الخبر : ذهب الشيخ مازن قسوم إلى سراقب ليلقي نظرة على سيارة له كان قد أرسلها للإصلاح والصيانة وأثناء الحوار بين أحد العاملين في مركز الصيانة ويدعى (عبدو نصار) والشيخ مازن ذكر له الشيخ الطريق التي يسلكها وهي بعيدة فتعجب الرجل من لجوء الشيخ لهذا الطريق في ظل وجود طرق أقصر فأجابه الشيخ بأنه يتحاشى المرور من حواجز الجند وذهب عبدو نصار لمقر الجند وأخبرهم بأن رجلا يتردد على الورشة ويتحاشى المرور من نقاط سيطرتهم وحواجزهم فما كان من الجند إﻻ أن سلموا الفتى قبضة وطلبوا إليه أن يتواصل معهم فور حضور الشيخ مازن قسوم إلى الورشة فحدد عبدو نصار موعدا للشيخ مازن وفور وصوله تواصل مع الجند عبر القبضة وأخبرهم ولم يتأخر عناصر الجند بالوصول وحين وصلوا كان الشيخ مازن قد أدار محرك سيارته وفتح باب السيارة - وكان فتى الورشة يشاغله ويؤخره ريثما يصل عناصر الجند- وفوجئ الشيخ بسيارة تقف خلفه يترجل منها ثلاثة مسلحين هم حنان رستم وأبو أسامة البانياسي وأبو الشيخ السراقبي وتوجهوا نحو الشيخ مازن للإمساك به فدفعهم وركب سيارته وهي ذات غيارات أوتوماتيكية وركب الغيار وانطلق ففتح الثلاثة نيران رشاشاتهم دفعة واحدة ولم تتحرك سيارة الشيخ أكثر من خمسة أمتار وتوقفت وكان بإمكانهم أن يطلقوا النار على اﻹطارات لو لم تكن لديهم أوامر بتصفية الرجل -كما حاولوا أن يوهموا لجنة القضاء وتبين كذبهم من خلال لجنة التحقيق وسآتي على ذكر ذلك مفصلا-.
لكن أوامر أميرهم أبي الفاروق كانت تصفية (أستاذه) وقتله وﻻ تعجبوا فالشيخ مازن قسوم هو أستاذ أبي الفاروق ومعلمه والتلميذ هو اﻵمر بقتل أستاذه ومعلمه!!!
وأصيبت السيارة بأكثر من 15عيارا ناريا وكان نصيب الشيخ منها أربع إصابات مباشرة في الجزء العلوي من جسده 3 إصابات واضحات ورابعة لم تك واضحة وفور توقف سيارة الشيخ توجهوا نحو السيارة وفتحوا الباب وتأكدوا من مفارقة الشيخ الحياة فجمعوا السلب (من قتل قتيلا فله سلبه!!!) وهو كل ما كان بحوزة الشيخ (رشاشه ومسدسه وما كان يحمله من متاع) وركبوا سيارتهم من نوع (كيا ريو) وفروا وقدر الله أن يتعرضوا لحادث سير وكان التعميم قد تم على السيارة ومواصفاتها فتم القبض على السيارة والعناصر من قبل عناصر جبهة ثوار سراقب وحركة أحرار الشام وهنا تدخل الجند وخلصوا عناصرهم بالقوة وهنا ازدادت حالة الاحتقان لدى فيلق الشام فتدخلت جبهة النصرة على الفور من أجل تهدئة الفيلق وتعهدت باحتجاز القتلة لديها كطرف ثالث حيادي ! إلى حين تقديمهم لمحكمة شرعية تقضي بشأنهم وأرادوا إحراج فيلق الشام فسألوهم هل تقبلون بشرع الله؟! فأجاب الأخوة على الفور بالقبول واستلمت جبهة النصرة العناصر وكان الفيلق يستعد لخوض معركة ضد النظام بمشاركة جند اﻷقصى في ذلك اليوم ورغم اغتيال قائدهم وشيخهم الذي أسأل الله أن يتقبله في الشهداء داسوا على جراحاتهم وقدموا مصلحة الجهاد واشتركوا مع الجند في المعركة ودماء شيخهم لم تزل رطبة لما تجف.
لم تنته قصة الشيخ مازن بعد فهي تختصر المشهد الطويل كله لقصة تحاكم المناهجة لشرع الله ولكن أقف الليلة عند هذا الحد وأتمم غداً إن شاء الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.