السبت، 23 يناير 2016

الدولة المتطرفة و المعتدلة و النموذجية


عبد الحق صادق

يوجد محوران يتصارعان على الساحة اليوم محور التطرف المحور الإيراني الإخواني  و محور الاعتدال المحور الغربي الخليجي 

الدولة  في محور التطرف  عبارة عن غابة و المواطن فيها خلية حية تنبض بالحياة إما في ذئب مفترس أو ثعلب ماكر أو جمل حاقد أو عقرب مؤذي أو دبور لادغ  أو حيوان أليف يكون فريسة للحيوانات المفترسة و هذه الحيوانات تنفذ مهمة معينة حسب ما يريد سيد الغابة  
و هذه الدولة تتبنى الفكر الثوري الاستبدادي المتطرف و هذا الفكر من أهم سماته فرض الرأي و إقصاء الرأي الآخر و القمع و التغيير بالعنف  و الكراهية و الحقد على دول محور الاعتدال و خاصة الناجحة و البارزة منها و هو مثل النار تلتهم نفسها و ما حولها و لا تقف عند حد معين طالما تجد حولها ما تلتهمه وعندما تلتهم نفسها تولد مشاكل و أزمات داخلية و عندما تلتهم ما حولها تولد أزمات و حروب خارجية
هذه الدولة وجودها و اقتصادها يعتمدعلى إثارة الأزمات و المشاكل و الحروب الداخلية و الخارجية و توقفها يعني انهيارها و زوالها و لذلك الأنظمة و التنظيمات التي تتبنى هذا النهج تسعى جاهدة لإشعال الفتن و المشاكل و الحروب لتصدير أزماتها و حل مشاكلها الاقتصادية و إشغال شعوبهم عما يعانونه من تخلف و نقص الخدمات و الحياة الحرة الكريمة
شعب هذه الدولة تسيره العواطف و فيه حيوية توجه بالاتجاه الخاطئ مثل صناعة رموز جوفاء و تحطيم الرموز الفعلية و الوطنية المتطرفة (الشوفينية ) و القومية المتطرفة (العنصرية ) و الحزبية المقيتة ( العصبية الجاهلية ) و العنجهية (العزة الجوفاء الآثمة) و الدينية و المذهبية المتطرفة (الطائفية )
و هذه الأنظمة و التنظيمات نتيجة الحيوية التي تمتاز بها عندها قدرة كبيرة على نشر فكرهم و منهجهم و لذلك أغلب الشعوب العربية و الإسلامية تتبنى هذا النهج رغم أنه على باطل فيستغلون مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لفكر التطرف و الطائفية خدمة لاغراض سياسية و مشاريع توسعية عدائية لا تصب في مصلحة شعوب المنطقة و لذلك مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دور سلبي فتسهم بنشر  التطرف و الطائفية و الفوضى نتيجة غياب الوعي في العالم العربي و الإسلامي
و الأنظمة و التنظيمات تتبني الإسلام السياسي مثل النظام الايراني و الإخوان هي أشد ظلما و استبدادا و ضررا لأنها تلعب على العواطف الدينية و تشوه صورة الاسلام و تسيئ إليه و إلى الدعوة و الدعاة و العمل الخيري و إلى المسلمين عامة
هذه الدولة مستوى المعيشة و الخدمات و حرية الرأي و حقوق الإنسان و الشعائر الدينية متدني و أزماتها و مشاكلها كثيرة و معقدة  تؤرق دول محور الاعتدال و يبحثون كثيرا عن إيجاد حلول لمشاكلهم و يفشلون و شعوب هذه الدول نتيجة عقدة المؤامرة التي غرستها تلك الأنظمة لتخديرهم بها  تظن أنهم قادرون على حل مشاكلهم و لا يفعلون كرها لهم و هذا ما يثير أحقادهم و يتهمونهم بالتآمر عليهم و الحقيقة هم عاجزون نتيجة التعقيدات الكثيرة لدى شعوب المنطقة و عدم فهم عقليتهم و ثقافتهم جيدا التي تختلف عن عقلية و ثقافة الغرب و مراكز الابحاث في الدول المتقدمة تشخص مشكلات الدول النامية من خلال عقلية شعوبهم و تجاربهم معهم و من هنا ينبع الخلل في  وضع الحلول التي يطرحونها لحل مشاكل الشرق الأوسط لذلك هذه المشاكل تتفاقم و تزداد و تتحول إلى أزمات تتراكم و أخيرا ينفجر الوضع  و تنهار الدولة و يأكل بعضهم بعضاً بقسوة و فظاعة
روسيا كانت تتزعم هذا المحور و بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تخلفت عن هذا الفكر و النهج و لكن نتيجة  مخلفات الماضي فهي لا تزال تعاني من أزمات و تعامل محور الاعتدال معها بأسلوب الحرب الباردة  بالتهميش دفعها للاصطفاف في خندق محور التطرف لإثبات وجودها كدولة عظمى
 روسيا بحكم تجربتها السابقة فهي أعلم بعقلية و ثقافة الدول المتطرفة و كيفية التعامل معها فلو أحسن محور الاعتدال التعامل معها و دعموها للتخلص من أزماتها و أنزلوها المنزلة اللائقة بها و أعطوها دور قيادي في مكافحة التطرف و الإرهاب لأثبتت نجاحا كبيرا في تخليص العالم من شرور الارهاب و نشر ثقافة الاعتدال
و الإنسان المعتدل  الحر صاحب الفكر النير الحر و الضمير الحي و الرسالة الإنسانية يعاني كثيرا في هذه الدولة و يعيش غريباً
كأنه في سجن تؤرقه أوضاعهم و يذوب كمداً عليهم يحاول إنقاذهم من وضعهم المذري فيدعو  و ينادي و لا يسمع له و يتهم بشتى التهم و لكثرة المضايقات و الألم إما يهاجر إلى دول محور الاعتدال أو ينطوي على نفسه فتقتل مهاراته و إمكانياته و إبداعاته  

الدولة في  محور الاعتدال عبارة عن مكنة و المواطن فيها عبارة عن قطعة صلبة لا حياة فيها تؤدي دور معين حسب ما صنعت له فالتفكير ينحصر في الحركة المرسومة لها و لا يستطيع التفكير خارجها فالحياة فيها مملة و يقتلها الروتين و لذلك يكثر فيها الانتحار و تعاطي المخدرات و المسكرات و هذه المكنة سوف تتآكل مع الزمن و تضعف و بعد ذلك تتوقف و تنهار
 و من ميزات هذا الدولة أنها تتبنى الفكر و المنهج  المعتدل العقلاني و المشاعر الإنسانية و الأخلاق النبيلة و المواطن يعيش بأمان و استقرار و حياة حرة كريمة و مستوى حرية الرأي و حقوق الانسان و المعتقد و المعيشة مرتفع و مشاكلها قليلة
و شعب هذه الدولة يتسم بالجمود و ضعف الحس الوطني و التفكير الآلي المغلق و عدم التفكير خارج وطنه و عدم نشر الفكر و المنهج المعتدل و القيم الإنسانية و عدم محاربة الفكر المتطرف الذي يستهدف وطنه و عدم محاولة  إنقاذ شعوب دول محور التطرف من فكرهم و منهجهم  المنحرف المتطرف الذي هو سبب مشاكلهم و أزماتهم
و عندما تنفجر الأوضاع في بعض دول محور التطرف نتيجة ضغط الازمات و المشاكل تلجأ حكومات دول محور الاعتدال إلى الحل الأمني و العسكري الذي جدواه ضعيفة و غالباً ضره أكبر من نفعه نتيجة التركيبة الفكرية السياسية للشعوب التي غرستها الأنظمة القمعية لشل قدرة دول محور الاعتدال على إنقاذ الشعوب المقهورة و لا تلجأ إلى الحل الجذري الفكري الذي هو سبب هذه الأزمات لضعفها في هذا المجال
و الضعف في الناحية الفكرية لدى محور الاعتدال  يشكل ثغرة ينفذ من خلالها محور التطرف إلى داخل دولهم فينشر فكره المتطرف في مجتمعهم و الذي ينفذ بعد ذلك إلى أجهزة الدولة و ربما يصل إلى مراكز صنع القرار فيتم نخر الدولة من الداخل حتى تصبح على حافة الانهيار
الأنظمة و التنظيمات في دول محور الاعتدال تتسم بالانغلاق و الروتين و الخمول و الكسل و لذلك ضعيفة جدا في نشر فكر الاعتدال و مكافحة فكر التطرف و الطائفية عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك و لذلك يزداد التطرف و الارهاب و لا ينقص و أصبحت هذه المواقع تخدم الجانب السلبي في المجتمع أكثر من الجانب الايجابيو الإنسان المعتدل  الحر صاحب الفكر النير الحر و الضمير الحي و الرسالة الإنسانية  يعيش في غربة أيضاً لأنه يريد هذه الشعوب تتخلص من جمودها و تصبح حية لديها رسالة سامية و حس وطني تدافع عن نفسها حتى لا يتسرب إليهم الفكر الثوري الاستبدادي المتطرف و حتى لا تلتهم دول محور التطرف دولهم و لكي تنشر فكرها و منهجها المعتدل لإنقاذ شعوب دول محور التطرف مما تعاني من أزمات و مشاكل و اضطرابات و فتن و معاناة
و لكن الظروف أفضل بكثير من دول محور التطرف و أنسب لإبداعاته و إنتاجه و عطائه

الدولة النموذجية عبارة عن إنسان صاحب فكر معتدل ناضج و رسالة إنسانية سامية و أخلاق راقية  ذو عقل ناضج منفتح نير حكيم و قلب شجاع رحيم عطوف و مشاعر إنسانية جياشة و همة عالية و حيوية مفعمة و المواطن فيها عبارة عن خلية فيه مفعمة بالحياة و الحيوية و العطاء تحمل نفس جيناته
و هذه الدولة تجمع بين الفكر المعتدل الناضج و الرسالة الإنسانية السامية و الأخلاق الفاضلة و الشعب الحيوي الذي يتبنى هذا الفكر و يعتز به و ينشره بكل ما أوتي من قوة لإنقاذ الإنسانية و خاصة  شعوب دول محور التطرف مما تعاني
و هذه الدولة كانت في العصر الذهبي للإسلام ساهمت في إنقاذ البشرية من الظلم و الاستبداد السائد ذاك الوقت و ارتقت بالحضارة الإنسانية و لذلك أنتشر الاسلام و لاقى قبولا شعبيا واسعاً و هي حلم و جنة الإنسان المفعم بالحيوية صاحب الفكر النير الحر و الرسالة الإنسانية
هذه الدولة للأسف غير موجودة بشكل متكامل حالياً  و لكنني أرى أن  قيادة دولة الإمارات سائرة في هذا الاتجاه و لكنها تفتقر إلى الكوادر المتحمسة الفاعلة على الأرض
الإنسان صاحب الفكر النير الحر المنفتح و الرسالة الإنسانية كالماء العذب الزلال لا لون له و لا طعم دينه و مذهبه و وطنه و قوميته و قبيلته الحق و الصدق و إنقاذ البشرية رسالته لذلك يصعب على الشخص التقليدي صاحب الفكر المتطرف أو الفكر الآلي المغلق فهمه و لذلك يحتارون في وصفه و الشك يؤرقهم و التحري عنه يجهدهم و ربما يلتهمهم محور التطرف و هم لا يزالون يبحثون و يتحرون  فكلما شكلوا تصور عنه يتبين لهم عدم صحته فيغيرونه و هكذا و أخيرا يصرخون حيرتنا ما دينك ما مذهبك ما وطنك ما قوميتك ما تيارك ما حزبك ..
و هذا الإنسان  يستطيع أن يقدم خدمات جليلة للإنسانية لو استثمرت إمكانياته في مراكز الأبحاث المتخصصة لأنه نتيجة حياديته و إنصافه و إخلاصه و صدقه يهبه الله نظرة ثاقبة و بعد نظر و قدرة على التحليل المتوزان و حس أمني عالي و  لديه قدرة على فهم عقلية و ثقافة و طريقة تفكير و مشاكل و أزمات شعوب دول محور التطرف و الاعتدال و طرح الحلول المناسبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.