الخميس، 4 فبراير 2016

تغلغل النظام الإيراني في حكومة حزب العدالة و التنمية



منقول :

شفرات قضية الشرطيين الكاشفين عن تجسس إيراني في تركيا

| إسطنبول -

بقلم: يافوز أجار

بدأت محكمة في إسطنبول أمس الاثنين النظر في القضية التي يُتَّهم فيها مجموعة من القيادات الأمنية وأفراد الشرطة بـ"التنصت غير القانوني" على 7 آلاف مواطن، بما فيهم كبار المسؤولين، في أثناء تحقيقات تنظيم "السلام والتوحيد" الإرهابي التابع لجيش القدس الإيراني، على خلفية اعتقالهم بعد بدء تحقيقات الفساد والرشوة التاريخية، التي طالت كبار مسؤولي حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا بقيادة رئيس الوزراء السابق رجب طيب أردوغان.

"اتفاق مع الكيان الإيراني في تركيا وأرجينيكون"

بعد أن بات أردوغان في موقف حرج بسبب ملفات الفساد، هبّت الآلة الإعلامية العملاقة الموالية له لإعداد أذهان الرأي العام لقبول أطروحة "محاولة الانقلاب ضد الحكومة عبر توظيف تحقيقات الفساد"، فبدأت تنشر أخباراً مفبركة حول وجود "كيان موازٍ" متوغّل في أعماق الدولة، يتنصت على الجميع، ويلفق جرائم، وينسبها إلى أناسٍ لم يرتكبوها. فراحت تدعي أن أعضاء هذا الكيان في جهازي الأمن والقضاء حاولوا الإطاحة بحكومة أردوغان من خلال إلصاق جرائم الفساد والرشوة بالوزراء ورجال أعمال مقرّبين منه. ولكنها كانت تحتاج إلى أدلة ملموسة لكي تتمكّن من تجسيد هذه الأطروحة، فمضت تزعم أن أعضاء هذا الكيان تنصّتوا على نحو 7 آلاف مواطن من عالم السياسة والأعمال والفنّ، وعلى رأسهم أردوغان وأعضاء حكومة العدالة والتنمية، في إطار قضية السلام والتوحيد، وذلك لتضخيم هذا الكيان حتى يملأ "الفراغ الكبير" الموجود في أطروحة محاولة الانقلاب. وقد نجحت في ذلك أيما نجاح في ظلّ التمويه والتشويه والرعب الذي ألقته في قلوب المواطنين بتضخيم عدد المتنصَّتين عليهم.

لكن تبين فيما بعد، بتصريحات عدنان تشيمان، المدعي العام المشرف على هذه القضية، قبل نقلها إلى مدعين عامين موالين لأردوغان، أن العدد الحقيقي للمتنصَّتين عليهم في إطار هذه القضية هو عبارة عن 230 مواطناً فقط.

"قلب جهازي الأمن والقضاء رأساً على عقب لإنقاذ الفاسدين"

بادر أردوغان أولاً إلى تغيير جذري في جهازي الأمن والقضاء؛ فنفى أو أقال مئات من القيادات الأمنية وعشرات الآلاف من أفراد الشرطة. ثم لما جاءت الكوادر الأمنية الجديدة شهدت تركيا بادرة هي الأولى من نوعها، حيث لم تنفذ أمرَ النائب العام بتوقيف زمرة من المتهمين، بما فيهم بلال نجل أردوغان، في 25 ديسمبر/كانون الأول عام 2013، بعد العملية الأولى التي أجريت قبل أسبوع من هذا التاريخ، والتي اعتقل فيها أبناء أربعة وزراء في حكومة أردوغان ورجل الأعمال إيراني الأصل رضا ضراب وغيرهم. عمد أردوغان بعد ذلك إلى سحب ملفات الفساد والرشوة من المدعي العام الأصلي المشرف عليها زكريا أوز، الذي هو الرجل نفسه الذي أشرف على قضية تنظيم "أرجينيكون"، الذي وصفته السجلات الرسمية بـ"الدولة العميقة في تركيا". ومع أن أردوغان قال قبل اتفاقه مع أرجينيكون إنه "المدعي العام المحقق" في قضية أرجينيكون، في معرض ردّه على الاعتراضات الواردة على هذه القضية، وعلى الرغم من أنه مَنْ خصّص سيارة رسمية مدرعة لزكريا أوز سعياً لحمايته من أي اغتيال محتمل، إلا أنه اتهمه بقيادة محاولة الانقلاب ضده عندما توجهت أصابع الاتهام إلى نجله وإليه بالذات.

"إنقاذ الفاسدين والجواسيس الإيرانيين وأرجينيكون معاً"

ومن ثم أغلق أردوغان محاكم الجزاء الثقيلة المزوّدة بصلاحيات خاصة العاملة في البلاد منذ عقود، وأسّس مكانها محاكم الصلح والجزاء الحالية، وعين فيها القضاة ومدعي العموم من أنصاره ومُوالي إيران وأرجينيكون. فأسند مهمة النظر في ملفات الفساد إلى مدعي العموم إسماعيل أوتشار وعرفان فيدان وفضولي آيدوغان، إلى جانب سحب ملفات "التجسس لصالح إيران" في إطار قضية السلام والتوحيد من المدعين العامين الأصليين وإسنادِها إلى الجدد المعيَّنين من طرفه. وهم بدورهم قاموا بواجبهم وأصدروا قراراً بتبرئة ساحة جميع المتهمين بالفساد والتجسّس وعدم ملاحقة القضيتين معاً، إضافة إلى إطلاق سراح جميع الجنرالات والضباط المتهمين في إطار قضايا "أرجينيكون" و"باليوز" و"جيتام" الانقلابية بموجب تعديلات قضائية أجرتها حكومة أردوغان عام 2014.

واللافت أن أجهزة الأمن "الجديدة" أطلقت العملية الموجهة ضد القياديين الأمنيين القدماء في 22 تموز (2014)، أي في اليوم نفسه الذي أُغلقت فيه قضية تنظيم السلام والتوحيد التي يتهم أعضاؤه بالتجسّس لصالح إيران من قبل المدعي العام عرفان فيدان ذاته.

وبذلك تم إنقاذ "الفاسدين" و"الجواسيس الإيرانيين" وأركان "الدولة العميقة" في تركيا!

"تصريحات رئيس شعبة مكافحة الإرهاب حول التنظيم الإيراني"

بالتزامن مع بدء النظر في قضية "التنصت غير القانوني" في أثناء تحقيقات "السلام والتوحيد"، نشر عمر كوسا، رئيس شعبة مكافحة الإرهاب في أمن إسطنبول سابقاً والمعتقل حالياً في إطار هذه القضية، تغريداتٍ على حسابه في تويتر تسلّط الضوء على حقيقة ما يجري الآن في تركيا، وتكشف عن "المؤامرة الحقيقية" التي حاكها الحلف الثلاثي المشكّل من الفاسدين وأركان الدولة العميقة أرجينيكون والكيان الإيراني ضد تركيا وأبنائها الأبرياء. وسأحاول تلخيص ما ورد فيها، مع ضمّه إلى تغريداته السابقة، كما يلي:

بدأ نظر قضية المؤامرة المنصوبة ضد ضباط الشرطة الذين كانوا يحقّقون في أكبر عملية تجسس لهذا القرن. فهذا التحقيق الذي سمّيناه بـ"قضية تنظيم السلام والتوحيد جيش القدس"، والذي كنا نتابع في إطاره أنشطة تجسس لدولة إيران في بلدنا، تم إغلاقه مع تحقيقات الفساد والرشوة في 17 ديسمبر عام 2013 بحجة أنه مؤامرةٌ ومحاولةُ انقلابٍ ضد الحكومة. ثم نُفّذت في 22 يوليو/ تموز لعام 2014 عمليةٌ وقت السحور من شهر رمضان المبارك ضد كل الكوادر الشرطية التي عملت في إطار هذا التحقيق، بدءاً من أدنى موظف وانتهاءً بأعلى قيادي، أسفرت عن اعتقال 31 شرطياً يقبعون في السجن منذ عام ونصف.

إن هذا التحقيق بدأ بهدف متابعة الأنشطة التجسسية لإيران في بلدنا عقب البلاغ الذي تلقيناه من السيدة كاملة يازيجي أوغلو بشأن زوجه. وزوج هذه السيدة حسين عوني يازيجي أوغلو كان المديرَ المسؤول عن الشؤون الثقافية في بلدية "سنجان" التابعة لحزب الرفاه (الإسلامي) بالعاصمة أنقرة. وعند النظر في السجلات الرسمية للدولة يتبين أن هذا الشخص هو من دبر ونظم مسرحية "ليلة القدس" التي أصبحت ذريعة للجيش ليسيّر الدبابات في شوارع أنقرة وقادت البلاد إلى الانقلاب العسكري ما بعد الحداثي في 28 شباط عام 1997 ضد حكومة نجم الدين أربكان الراحل. وكان قد هرب إلى إيران عقب فتح النيابة العامة تحقيقاً معه بسبب هذه الحادثة، وعاد إلى تركيا بعد 6 أشهر من البقاء هناك، وسلّم نفسه للقضاء التركي ليصدر حكماً بالحبس لمدة 3 سنوات ونصف، وقد قضى هذه السنوات في السجن. لذلك فهذا التحقيق عبارة عن متابعة الأنشطة التجسسية في تركيا لصالح إيران بدأ مع حسين عوني يازيجي أوغلو وتطوّرت أحداثه فيما بعد.

ومن المعروف أن أية عملية تجسس لصالح أية دولة في العالم تتحقّق بالتسرب إلى مفاصل الدولة المستهدفة. أما تحقيقات التجسس فتُجرى بهدف متابعة تلك الأنشطة والكشف عنها وعن العناصر المتورطة فيها باسم أمن الدولة. لذلك نرى أن حسين عوني يازيجي أوغلو لم يستكنف استخدام محيطه البيروقراطي الذي ساهمت في تشكيله الوظائفُ التي تسلمها خلال حياته في الأنشطة التجسسية لصالح إيران. ولأن عملية المتابعة والتنصت عليه وعلى الأشخاص المحيطين به الذين أجروا اتصالات معه طالت أشخاصاً موظفين في مؤسسات الدولة، فإنهم كذلك تم إدراجهم في إطار هذا التحقيق، وذلك بأمر المدعي العام وقرارٍ صادر عن المحكمة. لكن لا يوجد بين هؤلاء الأشخاص أيُّ مسؤول أو موظف متمتع بالحصانة أبداً.

أما المسؤولون الحكوميون الذين أجروا اتصالات مع الموظفين البيروقراطيين الذين تم التنصت عليهم، فإن مكالماتهم الهاتفية لم تُسجَّل ولم يُحوَّل ما ورد فيها إلى نسخة مكتوبة، ولم تُسرَّب إلى أية وسائل إعلامية أو أية دولة أخرى.

مع كل ذلك، فإن هذه الحقائق أصبحت ذريعة لمحاكمتنا بتهمة "محاولة انقلاب" و"التجسس" و"تشكيل منظمة". مع أن السلطات القضائية التي تحاكمنا لم تعلن حتى الآن اسم الدولة التي نتجسّس لصالحها، وإنما هناك مجرد اتهامات!

الحقيقة أن كل هذه الاتهامات والجرائم المنسوبة لنا والتي تعد محض افتراء، ارتكبها فعلاً السلطات والوحدات التي نفذت هذه العملية ضدنا. أي أن هذه الوحدات هي التي تنصّتت على مسؤولين يتمتّعون بحصانة سياسية، وسجّلت مكالماتهم الهاتفية، وأفرغتها في نسخ ورقية، وسرّبتها إلى وسائل إعلامية، وقد تكون قدّمتها إلى إيران ودولٍ مماثلة، من أجل استخدامها كورقة ضغط عليهم.

وعلى الرغم من ذلك، فإن المدعي العام اتخذ هذه الاتهامات المجردة مادة أساسية في لائحة الاتهام التي زيّنها بسيناريوهات وهمية حاكها في قريحته. مع أن الاتهامات إذا كانت تتعلق بالتجسس فلا بد من إثبات ذلك بمعلومات ووثائق ملموسة. فإذا أردتم أن تروا أنشطة تجسسية حقيقية فعليكم أن تنظروا في ملفّ تنظيم السلام والتوحيد الإيراني الذي حقّقنا فيه، حيث أثبتنا فيه عملية التجسس بالمعلومات والوثائق الملموسة.

"الكشف عن التنظيم الإيراني قبل تسلم أردوغان الحكم"

وما يغيب عن الأذهان هو أن تنظيم السلام والتوحيد الإيراني هو تنظيم إرهابي كشفت السلطات الأمنية التركية الغطاء عنها عام 2000، ووافقت على ذلك المحاكمُ العليا. أي قبل وصول العدالة والتنمية بقيادة أردوغان إلى سدة الحكم في البلاد عام 2002. فالمحاكم العليا، وليست أية محكمة عادية، أصدرت "ثلاث قرارات حتمية" – وليس قراراً واحداً – في أعوام 2002 و2006 و2014 بأن تنظيم السلام تنظيم إرهابي ويزاول أنشطة مخابراتية وتجسسية لصالح إيران. كما أن رئاسة شعبة مكافحة الإرهاب أدرجت اسم هذا التنظيم في المرتبة الحادية عشرة في قائمة المنظمات الإرهابية الناشطة في البلاد. وكذلك ثبت بموجب قرارات قضائية أن هذا التنظيم هو الذي يقف وراء العديد من عمليات اغتيال كثير من الشخصيات السياسية والفكرية والإعلامية الشهيرة، وأن"الوسطاء" أو"العملاء" الذين استخدمهم في تنفيذ عمليات التجسس لا يزالون حالياً (2016) يقبعون في السجون لقضاء عقوبتهم المغلظة.

خلاصة القول:

ولأن السلطة السياسية الحاكمة في تركيا أعلنتنا أعداءً بعد وصمنا بأعضاء "الكيان الموازي"، فإن المدعين العامين المشرفين على التحقيقات الخاصة بقضيتنا، تماشياً معها، كتبوا مذكرة الاتهام استناداً إلى جرائم موهومة دون أن يروا حاجة إلى إظهار الأدلة الضرورية. أما المحاكم فبما أنها قبلت النظر في مذكرة الاتهام المملوءة بحزمة اتهامات خالية من أية أدلة ووثائق لا يمكن أن نتوقع منها أن تتصرف بشكل حيادي وقانوني وتحقق العدالة المطلوبة.
وسينبغي أن ننتظر مزيداً من الوقت حتى يظهر المشهد الأخير من هذا الفيلم المشهود في تركيا منذ أكثر من عامين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.