منقول :
اللواء الركن الدكتور أنور ماجد عشقي
لا يوجد في الإسلام ما يسمى بالدولة الإسلامية ، لكن هناك دول يمكن أن تقوم على الأسس والمباديء والقيم الإسلامية ، فمصطلح الدولة الإسلامية لم يرد في القرآن ،ولا في الحديث ،ولا حتى في عهد الصحابة والتابعين ، فالدولة الإسلامية بدعة من شأنها أن تحجِّر ما اتسع من الإسلام ، وهذا ما وقعت فيه الأحزاب الإسلامية.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أسس دولة مدنية تشيد على القيم والمباديء الإسلامية ، فحالما وصل عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة أصدر الصحيفة التي تعتبر الدستور الأول في تاريخ البشرية، التي حدد فيها حقوق اليهود، والوثنيين، والقبائل، والأنصار، والمهاجرين ،وغيرهم ثم قال :نحن أمة من بين الناس، ولم يقل نحن دولة إسلامية ، وبهذا صنع التعددية وعزز الوحدة الوطنية.
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني دولة إسلامية، بل كان في المدينة يؤسس لأمة إسلامية ،لأن القيم والمباديء الإسلامية كفيلة بنشر السلام، والمحبة، والرحمة بين الأمم.
فالإسلام في جوهره عالمي، وليس إقليمي، وليس عولمة بل عالمية، فالعالمية تختلف عن العولمة ، لهذا قال عليه الصلاة والسلام "بعثت بشيراً ونذيراً للعالمين"، لأن الإسلام دعوة وليس نفوذاً ،كما هو في العولمة التي تفرض نمطاً من أنماط الثقافة على باقي الأمم والشعوب بقصد الهيمنة عليها.
وليس بالضرورة لإعمار الأرض أن يكون الجميع مسلمين، أو على دين واحد، لأن ذلك أدعى إلى الحوار والتواصل والتفاهم والتطور الفكري.
ولو شاء الله لجعل الناس كلهم أمة واحدة، لكنه سبحانه من حكمته أن جعلنا مختلفين ، لكنه سبحانه وتعالى وضع الأسس لحل هذا الإختلاف ، هذا الأساس هو القيم التي جاء بها الإسلام وجاءت بها الأديان الأخرى وجادت بها قرائح البشر ،وفي هذا الصدد وضع سبحانه قيم العدالة ،لأنه في غياب العدالة والنظام والشريعة والقانون ينتشر الفساد ويستشري الظلم ، فالدول لا تقوم إلا على العدلة ،ولهذا قال سبحانه وتعالى في سورة هود الآية (118) "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين"
وفي هذا يقول الرازي وغيره من المفسرين :إن الله لا يهلك القرى لمجرد كونهم مشركين ، إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم ، والحاصل أن عذاب الاستئصال لا ينزل لأجل كون القوم معتقدين للشرك والكفر، بل إنما ينزل ذلك العذاب إذا أساءوا في المعاملات وسعوا في الإيذاء والظلم ، ولهذا قال العلماء أن حقوق الله تعالى مبناها على المسامحة والمساهلة ، والدليل أن قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، أنما نزل عليهم عذاب الاستئصال لما ذكره الله في كتابه عنهم من إيذاء الناس وظلم الخلق.
ففى هذه الآية قال سبحانه وتعالى "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدةولا يزالون مختلفين" ، أما الآية في سورة النحل آية رقم (93) فقال تعالى"ولو الله شاء لجعلكم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير" ،فالإختلاف الذي يمس المعاملات أشار فيها إلى الرب ،أما ما يتعلق بالعقيدة أشار فيها بلفظ الجلالة.
وما يعيشه العالم العربي في ربيعه الثوري من اضطرابات ،كان بسبب الظلم في المعاملات ، والذي كان يمارس من الأنظمة التسلطية ،والمعاملات البينية أي بين الناس التي تمخضت عنها هذه الأنظمة ، ولابد من رفع الظلم وإقرار العدالة والقضاء على الفساد ،ولا يتأتى ذلك إلاّ بإيجاد النظم والأنظمة الكفيلة بتحقيق ذلك.
لهذا يجب أن تكون الثورة ضد النظام، فإذا كانت ضد النظام ، فهذا يعني تغيير الأنظمة التي أتاحت الظلم ، أما إذا كانت الثورة ضد الأشخاص ،فهذا إما أن يكون انقلاباً واستبدالاً لأشخاص بأشخاص دون تغيير للنظام ،وهذا يعني استبدال ظلم بظلم ،وفساد بفساد ، وإما أن تكون الثورة انتقاماً والإنتقام وتصفية الحسابات تؤدي إلى الاضطرابات والفوضى ،كما حدث في الثورة الفرنسية التي استبدلت ظلماً بظلم أكبر عندما أعدم عشرات الألوف ،ثم جاءت ديكتاتورية نابليون، وظل الحال إلى قرن ونصف من الزمان ،بعدها جاءت أنظمة العدالة ومن ثم تطورت فرنسا.
فحذاري أن تتحول الثورات إلى انتقام لأشخاص السلطة أو استبدال أشخاص النظام بآخرين، فإنها في كلا الحالتين كارثة على الأمة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم استبدل نظاماً بنظام، ولم يتناول أشخاص النظام الغابر ، بل ركز على تغيير النظام ، فقال عليه الصلاة والسلام للذين قاتلوه وأخرجوه "إذهبوا فأنتم الطلقاء".
إن تغير الأنظمة بأنظمة عادلة هو المطلوب ،وان المساواة في الحقوق والواجبات وتحقيق قيم العدالة بين أبناء الشعب هي المطلب الأساسي، كما أن الحوار هو الذي يرسخ التفاهم بين كل الأطياف الدينية والسياسية ، لهذا جعلنا الله عز وجل مختلفين ، فهذا الإختلاف يتطلب منا أن نستثمره في الحوار ،وتنمية الفكر، وإشاعة الروح الوطنية، فهذه الأسس التي يبنى عليها الاستقرار والتقدم.
والله الموفق
اللواء الركن الدكتور أنور ماجد عشقي
لا يوجد في الإسلام ما يسمى بالدولة الإسلامية ، لكن هناك دول يمكن أن تقوم على الأسس والمباديء والقيم الإسلامية ، فمصطلح الدولة الإسلامية لم يرد في القرآن ،ولا في الحديث ،ولا حتى في عهد الصحابة والتابعين ، فالدولة الإسلامية بدعة من شأنها أن تحجِّر ما اتسع من الإسلام ، وهذا ما وقعت فيه الأحزاب الإسلامية.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أسس دولة مدنية تشيد على القيم والمباديء الإسلامية ، فحالما وصل عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة أصدر الصحيفة التي تعتبر الدستور الأول في تاريخ البشرية، التي حدد فيها حقوق اليهود، والوثنيين، والقبائل، والأنصار، والمهاجرين ،وغيرهم ثم قال :نحن أمة من بين الناس، ولم يقل نحن دولة إسلامية ، وبهذا صنع التعددية وعزز الوحدة الوطنية.
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني دولة إسلامية، بل كان في المدينة يؤسس لأمة إسلامية ،لأن القيم والمباديء الإسلامية كفيلة بنشر السلام، والمحبة، والرحمة بين الأمم.
فالإسلام في جوهره عالمي، وليس إقليمي، وليس عولمة بل عالمية، فالعالمية تختلف عن العولمة ، لهذا قال عليه الصلاة والسلام "بعثت بشيراً ونذيراً للعالمين"، لأن الإسلام دعوة وليس نفوذاً ،كما هو في العولمة التي تفرض نمطاً من أنماط الثقافة على باقي الأمم والشعوب بقصد الهيمنة عليها.
وليس بالضرورة لإعمار الأرض أن يكون الجميع مسلمين، أو على دين واحد، لأن ذلك أدعى إلى الحوار والتواصل والتفاهم والتطور الفكري.
ولو شاء الله لجعل الناس كلهم أمة واحدة، لكنه سبحانه من حكمته أن جعلنا مختلفين ، لكنه سبحانه وتعالى وضع الأسس لحل هذا الإختلاف ، هذا الأساس هو القيم التي جاء بها الإسلام وجاءت بها الأديان الأخرى وجادت بها قرائح البشر ،وفي هذا الصدد وضع سبحانه قيم العدالة ،لأنه في غياب العدالة والنظام والشريعة والقانون ينتشر الفساد ويستشري الظلم ، فالدول لا تقوم إلا على العدلة ،ولهذا قال سبحانه وتعالى في سورة هود الآية (118) "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين"
وفي هذا يقول الرازي وغيره من المفسرين :إن الله لا يهلك القرى لمجرد كونهم مشركين ، إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم ، والحاصل أن عذاب الاستئصال لا ينزل لأجل كون القوم معتقدين للشرك والكفر، بل إنما ينزل ذلك العذاب إذا أساءوا في المعاملات وسعوا في الإيذاء والظلم ، ولهذا قال العلماء أن حقوق الله تعالى مبناها على المسامحة والمساهلة ، والدليل أن قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، أنما نزل عليهم عذاب الاستئصال لما ذكره الله في كتابه عنهم من إيذاء الناس وظلم الخلق.
ففى هذه الآية قال سبحانه وتعالى "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدةولا يزالون مختلفين" ، أما الآية في سورة النحل آية رقم (93) فقال تعالى"ولو الله شاء لجعلكم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير" ،فالإختلاف الذي يمس المعاملات أشار فيها إلى الرب ،أما ما يتعلق بالعقيدة أشار فيها بلفظ الجلالة.
وما يعيشه العالم العربي في ربيعه الثوري من اضطرابات ،كان بسبب الظلم في المعاملات ، والذي كان يمارس من الأنظمة التسلطية ،والمعاملات البينية أي بين الناس التي تمخضت عنها هذه الأنظمة ، ولابد من رفع الظلم وإقرار العدالة والقضاء على الفساد ،ولا يتأتى ذلك إلاّ بإيجاد النظم والأنظمة الكفيلة بتحقيق ذلك.
لهذا يجب أن تكون الثورة ضد النظام، فإذا كانت ضد النظام ، فهذا يعني تغيير الأنظمة التي أتاحت الظلم ، أما إذا كانت الثورة ضد الأشخاص ،فهذا إما أن يكون انقلاباً واستبدالاً لأشخاص بأشخاص دون تغيير للنظام ،وهذا يعني استبدال ظلم بظلم ،وفساد بفساد ، وإما أن تكون الثورة انتقاماً والإنتقام وتصفية الحسابات تؤدي إلى الاضطرابات والفوضى ،كما حدث في الثورة الفرنسية التي استبدلت ظلماً بظلم أكبر عندما أعدم عشرات الألوف ،ثم جاءت ديكتاتورية نابليون، وظل الحال إلى قرن ونصف من الزمان ،بعدها جاءت أنظمة العدالة ومن ثم تطورت فرنسا.
فحذاري أن تتحول الثورات إلى انتقام لأشخاص السلطة أو استبدال أشخاص النظام بآخرين، فإنها في كلا الحالتين كارثة على الأمة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم استبدل نظاماً بنظام، ولم يتناول أشخاص النظام الغابر ، بل ركز على تغيير النظام ، فقال عليه الصلاة والسلام للذين قاتلوه وأخرجوه "إذهبوا فأنتم الطلقاء".
إن تغير الأنظمة بأنظمة عادلة هو المطلوب ،وان المساواة في الحقوق والواجبات وتحقيق قيم العدالة بين أبناء الشعب هي المطلب الأساسي، كما أن الحوار هو الذي يرسخ التفاهم بين كل الأطياف الدينية والسياسية ، لهذا جعلنا الله عز وجل مختلفين ، فهذا الإختلاف يتطلب منا أن نستثمره في الحوار ،وتنمية الفكر، وإشاعة الروح الوطنية، فهذه الأسس التي يبنى عليها الاستقرار والتقدم.
والله الموفق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.