الأمل عندما يضيء من سجن "الطرفية"
هناك جهود تبذل من ولاة الأمر والدعاة والفضلاء، لموضوع الموقوفين، من العلماء والرموز والأبناء، ونسأل الله أن يبعد ذوي الأهواء، ومن يريد استمرار الاحتقان المجتمعي، ويرد كيد من أراد بنا الفتنة
أعلام المملكة الخضراء ترفرف على طول الممرّ، وصور لولاة الأمر تتصدّر الجدران الجانبية، ولوحات سطّرت عليها قصائد وطنية، فضلاً عن رسومات تشكيلية تتغنى بالوطن؛ تزيّن ذلك الممر.
شعرت بأنني في إحدى المدارس الثانوية التي تحتفل باليوم الوطني، ولم أصدّق أنني في عنبر خاص في سجن (الطرفية) بالقصيم، وأنّ من قام بذلك وصمّمه بالكامل هم نزلاء ذلك العنبر، ووقتما وصلت لفناء صغير في نهاية الممر؛ إذا بوجوه متوضئة، تمتلئ بشراً وأملاً وحيوية – لم أرَ أبداً توهجات الأمل إلا عند هؤلاء الشباب طيلة جولتي المحدودة بالسجون - وهم يرحبون بأخيهم الزائر، الذي استمع في حفل منبري بسيط أقاموه - بعد أدائهم للنشيد الوطني وقوفاً - لكلمات تطفر بالوطنية الحقّة؛ تشعرك أنك أمام شباب معتدل، كسائر شباب بلدي.
وجدت من الأبناء أولئك من يتابع مقالاتي الصحافية، من أزمنة بعيدة قبل تورّطه، وبادر أحدهم بعتابي، على مقالتي الأولى عن سجن (ذهبان) التي قرؤوها قبل أسبوع، عندما وصفت بأنّ أكثر من في السجون هم من حملة الفكر التكفيري، وقال: "ها نحن أولاء أمامك، لا نحمل هذا الفكر أبداً، وممتلئون وطنية وولاء، بما شاهدت وسمعت، وتورّط بعضنا، بسبب أموال مشبوهة، أو معرفة لأحد الإرهابيين، ونشكر – بصدق وعدم مجاملة - إدارة السجن لهذه المعاملة الكريمة التي نتلقاها بحقّ، عبر هذا البرنامج الذي أطلعنا على أشياء لم نكن نعرفها".
كان عدد هؤلاء الشباب أمامي حوالي الاثني عشر، من ثمانين شاباً، خضعوا لبرنامج خاص بسجن (الطرفية) - لا يوجد هذا البرنامج إلا في (الطرفية) من السجون الخمسة بالمملكة - وأفرج عنهم كلهم ولله الحمد، ولم يتبق إلا هؤلاء الشباب، متمنياً على المسؤولين البتّ في قضاياهم – ومن شابههم في كل السجون - فالبشائر والانفراجات تتوالى ونتلمسها، وقضية أبنائنا الموقوفين، دمّلٌ مؤلم في جسد هذا المجتمع، ونسأل الله أن يلهم المسؤولين، بأن يحسموها، ويتجاوزوا عن يسير ما توّرط به أمثال هؤلاء الشباب، فهم أبناؤنا وإن أخطؤوا، ولكن بما أسلفت وأقول دائماً، بعيداً عن عواطفنا، لأنّ أمن الوطن خطّ أحمر.
فضيلة الشيخ المحدّث عبدالله السعد، علّق في الأسبوع الماضي على مقالتي، وكذّب ما وصفته تجاه غرف الخلوات الشرعية بسجني (ذهبان) و(الحاير)، واعترض على ما وصفته بالمعاملة الأبوية التي تقوم بها الدولة تجاه الأبناء الموقوفين والسجناء، والدكتور محمد القنيبط، دخل في الموضوع، بطريقة الإنزال المظلي، جعلني أشكّ في قراءته كامل مقالتي، بل كما في مثلنا الحجازي (أخذ القدادة من فم القدر)، وعمّم وصفي لسائر السجن، وتغافل عما عقّبت به، من أن السجن يظل سجناً مهما كانت الخدمات، ولعله يقارن ما تفعله بقية الدول العربية أجمع بنزلائها، بما تفعله دولتنا، وللدكتور القنيبط وقبله فضيلة الشيخ السعد، دعوة بأن يختارا أيّ وقت يريدانه ليذهبا، ويريا تلكم الغرف التي رأيتها قبل أسابيع، وعليّ الاعتذار إن لم تكن بالصورة التي وصفت، وبالمناسبة فسجن (الطرفية) لا يرتقي أبداً في تجهيزاته لسجني (ذهبان) و(الحاير).
الأبوية التي كتبت عنها يا فضيلة الشيخ عبدالله السعد، وأنا المجلّ للعلماء والدعاة، وهذا تاريخي الإعلامي بين يديك تجاهكم، تتلخص؛ في هذه المعاملة والميزات التي تقدمها الدولة للموقوفين والمساجين، والتي أشك أنّ أحداً منا لو كان بيده القرار أن يصنع مثل ما صنعه ولاة الأمر. يا فضيلة الشيخ ، التقيت في سجن (الطرفية) طالب علم، ووقتما سألته: "ما سبب إيقافك؟" أجابني: "قمت بمظاهرة في وسط الحرم المدني، وهتفت ضد الملك، وكتبت بعدم شرعية الدولة.." اندهشت، وقلت: "سيماك طالب علم صادق، فما الذي ألجأك لذلك؟" قال: "أقمت الحجة على الدولة والعلماء، بعدم جواز بقاء قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم داخل المسجد". تحاورت طويلاً معه، وقلت: "أنا منذهلٌ، تخرج على الدولة وتكفّرها بسبب بقاء القبر بالمسجد، ألم يسعك ما وسع علماؤنا، فالفتنة من إزالة القبر أعظم من بقائه"، وأنهيت معه بقولي: "أسألك بالله العظيم، إن أفرجوا الآن عنك، ما أنت صانع؟" أجابني: "سأقيم الحجة مرة أخرى عليهم، وإن لم يذعنوا ويُخرجوا القبر من المسجد، فسأحمل السلاح لأقاتلهم..". تألمت والله، وسألت: "أخي الحبيب، وماذا عن مثلي.. هل تعتبرني أيضاً عميلاً لليهود والنصارى، تستحلّ دمي؟" قال: "أقيم عليك الحجة أولا". قلت: "سأجيبك بأني مع الشيخ ابن باز وابن عثيمين وكبار علمائنا، أنا أختار رأي هؤلاء"، ردّ مباشرة: "سألحقك بهم"، وأردف بكل الإيمان الذي لا أشك أنه دافعه: "يا عبدالعزيز، عذاب الدنيا، ولا عذاب الآخرة".
أمثال هؤلاء يا فضيلة الشيخ عبدالله الذين يتهمون ولاتنا بأقذع وأشنع الصفات، تأمل - يرحمك الله- كيف يعاملون!! ووالله لأني سألته: "هل ينقصك شيء؟" قال: "أبداً، وأشكر أنهم استجابوا لطلبي، وخصّصوا لي هذه الغرفة المنفردة بعيداً عن الجماعي، أقضي وقتي بين كتبي والحمد لله".
هذه تجربتي الخاصة التي رأيت، وحكيت لك وللقراء من وحيها، وسبق أن قلت بتوقعي وجود بعض التقصير من بعض رجال الأمن ولكن يظل في إطاره الضيّق، لا أن يعمّم.
تشرفت بلقاء فضيلة الشيخ المحدث سليمان العلوان، وجلست طويلاً معه، وحمّلني رسالة للمسؤولين ووعدته بنقلها، وأحمد الله تعالى أنّ الشيخ يقرّ بشرعية ولاتنا، ولكنه يشتكي من الظلم العام – برأيه - ولا يريد شيئاً خاصاً به، وأنه رفض المحاكمة لمرات عديدة لعدم اعترافه بشرعية القضاة الذين خصصتهم وزارة العدل، وقال إنه يريد القضاء العام وعلنيته، وأجابني أحد المسؤولين في الداخلية، بأنهم لا يملكون هذا الحق، بل هو من اختصاص وزارة العدل، وقد قلت للمسؤولين في حقه ما أدين الله به.
صدقوني يا أحبة بأن جهوداً تبذل من فضلاء ودعاة أخفياء، لموضوع الموقوفين، من العلماء والرموز والأبناء، ونسأل الله أن يبعد ذوي الأهواء، ومن يريد استمرار الاحتقان المجتمعي، ويرد كيد من أراد بنا الفتنة المجتمعية، والارتزاق من هذه البلبلة.
مؤمن إيماناً كبيراً بأنّ الانفراج في هذا الملف قد بدأ، ولن نفقد الأمل أبداً في دولة، الأبّ فيها؛ عبدالله بن عبدالعزيز.
شعرت بأنني في إحدى المدارس الثانوية التي تحتفل باليوم الوطني، ولم أصدّق أنني في عنبر خاص في سجن (الطرفية) بالقصيم، وأنّ من قام بذلك وصمّمه بالكامل هم نزلاء ذلك العنبر، ووقتما وصلت لفناء صغير في نهاية الممر؛ إذا بوجوه متوضئة، تمتلئ بشراً وأملاً وحيوية – لم أرَ أبداً توهجات الأمل إلا عند هؤلاء الشباب طيلة جولتي المحدودة بالسجون - وهم يرحبون بأخيهم الزائر، الذي استمع في حفل منبري بسيط أقاموه - بعد أدائهم للنشيد الوطني وقوفاً - لكلمات تطفر بالوطنية الحقّة؛ تشعرك أنك أمام شباب معتدل، كسائر شباب بلدي.
وجدت من الأبناء أولئك من يتابع مقالاتي الصحافية، من أزمنة بعيدة قبل تورّطه، وبادر أحدهم بعتابي، على مقالتي الأولى عن سجن (ذهبان) التي قرؤوها قبل أسبوع، عندما وصفت بأنّ أكثر من في السجون هم من حملة الفكر التكفيري، وقال: "ها نحن أولاء أمامك، لا نحمل هذا الفكر أبداً، وممتلئون وطنية وولاء، بما شاهدت وسمعت، وتورّط بعضنا، بسبب أموال مشبوهة، أو معرفة لأحد الإرهابيين، ونشكر – بصدق وعدم مجاملة - إدارة السجن لهذه المعاملة الكريمة التي نتلقاها بحقّ، عبر هذا البرنامج الذي أطلعنا على أشياء لم نكن نعرفها".
كان عدد هؤلاء الشباب أمامي حوالي الاثني عشر، من ثمانين شاباً، خضعوا لبرنامج خاص بسجن (الطرفية) - لا يوجد هذا البرنامج إلا في (الطرفية) من السجون الخمسة بالمملكة - وأفرج عنهم كلهم ولله الحمد، ولم يتبق إلا هؤلاء الشباب، متمنياً على المسؤولين البتّ في قضاياهم – ومن شابههم في كل السجون - فالبشائر والانفراجات تتوالى ونتلمسها، وقضية أبنائنا الموقوفين، دمّلٌ مؤلم في جسد هذا المجتمع، ونسأل الله أن يلهم المسؤولين، بأن يحسموها، ويتجاوزوا عن يسير ما توّرط به أمثال هؤلاء الشباب، فهم أبناؤنا وإن أخطؤوا، ولكن بما أسلفت وأقول دائماً، بعيداً عن عواطفنا، لأنّ أمن الوطن خطّ أحمر.
فضيلة الشيخ المحدّث عبدالله السعد، علّق في الأسبوع الماضي على مقالتي، وكذّب ما وصفته تجاه غرف الخلوات الشرعية بسجني (ذهبان) و(الحاير)، واعترض على ما وصفته بالمعاملة الأبوية التي تقوم بها الدولة تجاه الأبناء الموقوفين والسجناء، والدكتور محمد القنيبط، دخل في الموضوع، بطريقة الإنزال المظلي، جعلني أشكّ في قراءته كامل مقالتي، بل كما في مثلنا الحجازي (أخذ القدادة من فم القدر)، وعمّم وصفي لسائر السجن، وتغافل عما عقّبت به، من أن السجن يظل سجناً مهما كانت الخدمات، ولعله يقارن ما تفعله بقية الدول العربية أجمع بنزلائها، بما تفعله دولتنا، وللدكتور القنيبط وقبله فضيلة الشيخ السعد، دعوة بأن يختارا أيّ وقت يريدانه ليذهبا، ويريا تلكم الغرف التي رأيتها قبل أسابيع، وعليّ الاعتذار إن لم تكن بالصورة التي وصفت، وبالمناسبة فسجن (الطرفية) لا يرتقي أبداً في تجهيزاته لسجني (ذهبان) و(الحاير).
الأبوية التي كتبت عنها يا فضيلة الشيخ عبدالله السعد، وأنا المجلّ للعلماء والدعاة، وهذا تاريخي الإعلامي بين يديك تجاهكم، تتلخص؛ في هذه المعاملة والميزات التي تقدمها الدولة للموقوفين والمساجين، والتي أشك أنّ أحداً منا لو كان بيده القرار أن يصنع مثل ما صنعه ولاة الأمر. يا فضيلة الشيخ ، التقيت في سجن (الطرفية) طالب علم، ووقتما سألته: "ما سبب إيقافك؟" أجابني: "قمت بمظاهرة في وسط الحرم المدني، وهتفت ضد الملك، وكتبت بعدم شرعية الدولة.." اندهشت، وقلت: "سيماك طالب علم صادق، فما الذي ألجأك لذلك؟" قال: "أقمت الحجة على الدولة والعلماء، بعدم جواز بقاء قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم داخل المسجد". تحاورت طويلاً معه، وقلت: "أنا منذهلٌ، تخرج على الدولة وتكفّرها بسبب بقاء القبر بالمسجد، ألم يسعك ما وسع علماؤنا، فالفتنة من إزالة القبر أعظم من بقائه"، وأنهيت معه بقولي: "أسألك بالله العظيم، إن أفرجوا الآن عنك، ما أنت صانع؟" أجابني: "سأقيم الحجة مرة أخرى عليهم، وإن لم يذعنوا ويُخرجوا القبر من المسجد، فسأحمل السلاح لأقاتلهم..". تألمت والله، وسألت: "أخي الحبيب، وماذا عن مثلي.. هل تعتبرني أيضاً عميلاً لليهود والنصارى، تستحلّ دمي؟" قال: "أقيم عليك الحجة أولا". قلت: "سأجيبك بأني مع الشيخ ابن باز وابن عثيمين وكبار علمائنا، أنا أختار رأي هؤلاء"، ردّ مباشرة: "سألحقك بهم"، وأردف بكل الإيمان الذي لا أشك أنه دافعه: "يا عبدالعزيز، عذاب الدنيا، ولا عذاب الآخرة".
أمثال هؤلاء يا فضيلة الشيخ عبدالله الذين يتهمون ولاتنا بأقذع وأشنع الصفات، تأمل - يرحمك الله- كيف يعاملون!! ووالله لأني سألته: "هل ينقصك شيء؟" قال: "أبداً، وأشكر أنهم استجابوا لطلبي، وخصّصوا لي هذه الغرفة المنفردة بعيداً عن الجماعي، أقضي وقتي بين كتبي والحمد لله".
هذه تجربتي الخاصة التي رأيت، وحكيت لك وللقراء من وحيها، وسبق أن قلت بتوقعي وجود بعض التقصير من بعض رجال الأمن ولكن يظل في إطاره الضيّق، لا أن يعمّم.
تشرفت بلقاء فضيلة الشيخ المحدث سليمان العلوان، وجلست طويلاً معه، وحمّلني رسالة للمسؤولين ووعدته بنقلها، وأحمد الله تعالى أنّ الشيخ يقرّ بشرعية ولاتنا، ولكنه يشتكي من الظلم العام – برأيه - ولا يريد شيئاً خاصاً به، وأنه رفض المحاكمة لمرات عديدة لعدم اعترافه بشرعية القضاة الذين خصصتهم وزارة العدل، وقال إنه يريد القضاء العام وعلنيته، وأجابني أحد المسؤولين في الداخلية، بأنهم لا يملكون هذا الحق، بل هو من اختصاص وزارة العدل، وقد قلت للمسؤولين في حقه ما أدين الله به.
صدقوني يا أحبة بأن جهوداً تبذل من فضلاء ودعاة أخفياء، لموضوع الموقوفين، من العلماء والرموز والأبناء، ونسأل الله أن يبعد ذوي الأهواء، ومن يريد استمرار الاحتقان المجتمعي، ويرد كيد من أراد بنا الفتنة المجتمعية، والارتزاق من هذه البلبلة.
مؤمن إيماناً كبيراً بأنّ الانفراج في هذا الملف قد بدأ، ولن نفقد الأمل أبداً في دولة، الأبّ فيها؛ عبدالله بن عبدالعزيز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.