الأحد، 10 نوفمبر 2013

الانتفاضة السورية مشاكل و حلول


لقد فجر الانتفاضة السورية السلمية الشباب الذين لا ينتمون لأي تيار و رفعوا شعار (الله ...سوريا .... حرية و بس ) هذا الشعار يجمع و يرضي جميع اطياف المجتمع السوري و يحقق طموحات جميع التيارات و على رأسها التيار الاسلامي و هذا الامر ضروري في المرحلة الانتقالية لأن التدرج في التغيير من صلب الدين الاسلامي و التسرع في التغيير له آثار سلبية كبيرة .
و الدعوة الاسلامية هي دعوة الفطرة و الحق و العقل و المنطق و في جو الحرية يمكن دعوة الشعب للعودة الى دينهم و أخلاقهم و الشعب يتقبل الدعوة بشكل كبير و لديه محبة للدين فطرية
 و عندما ينجحون في دعوتهم و اصلاحهم  ففي أي انتخابات ديمقراطية بعد استقرار الوضع  سوف يختار الشعب الكفء صاحب الدين و الخلق و بالتالي سوف يصل الاسلاميون الى هدفهم و مشروعهم بشكل هادئ دون عنف و دون توجس من أحد و دون معاداة أحد .
و الاسلاميون الثوريون وبقية التيارات السياسية ركبوا قطار الانتفاضة بعد انطلاقتها بمدة و عندها تخوفنا من تحويلها الى مسلحة لأنه معروف عن الاسلاميين الثوريين التسرع فشجعنا و نصحنا بالمحافظة على سلمية الانتفاضة مهما مارس النظام من استفزاز
لأنه من خلال التجارب السابقة التي مرت بها الامة ثبت أن حمل السلاح ضره أكبر من نفعه و أن عدد الضحايا و الخسائر و المعاناة سوف تزداد بأضعاف المرات
و لأن الاجهزة الامنية للنظام  تعيش بعقلية الستينات و بدعم و  نصح النظام الايراني لجؤوا الى الحل الأمني و العنف المفرط و ربما قام بإنشاء مجموعات مسلحة لجعلها ذريعة للقضاء على الانتفاضة السلمية 
و السعودية و دول الخليج التزموا الصمت لعدة أشهر من بداية الانتفاضة و اتصل الملك عبد الله آل سعود ببشار عدة مرات من أجل نصحه و مطالبته بالتصرف بحكمة و عقلانية و الاستماع لمطالب المتظاهرين بعيداً عن العنف و أنه سوف يقف لجانبه و لكن بشار أصر على موقفه في حل الازمة أمنياً آخذا بنصيحة  إيران و روسيا و لم يعد يرد على اتصال خادم الحرمين الشريفين و أوغل في إراقة الدماء عندها لم يترك مجال للصمت فخرج عن صمته و اعلن موقفه الصريح ضد تصرفات نظام الاسد .
و بحنكة الامير سعود الفيصل المعروفة إستطاع إقناع دول العالم المتحضر الوقوف بجانب الانتفاضة السورية 
و استغلت هذا الظرف بعض الجماعات الإسلامية المتحمسة و المتسرعة  التي تؤمن بالتغيير العنيف و حملت السلاح و بدعم من الاخوان و شيئا فشيئا خرج الامر عن السيطرة من يد النظام و يد المعارضة و تحولت الى حرب حقيقية و وقع ما كنا نخشاه من ضحايا و جرحى و خراب و مهجرين و نازحين
و الواقع يفرض نفسه فلم يعد هناك خط رجعة و لا ينفع الكلام عن السلمية حيث انحرفت الانتفاضة من السلمية الى المسلحة و كانت هذه أول انتكاسة كبرى في مسار الانتفاضة دفع الشعب السوري ثمنهاغاليا و حدث ما كنا نخشاه
كانت الانتفاضة في البداية بدون قيادة و بعد ذلك تشكلت قيادة سياسية تمثلت في المجلس الوطني و تشكلت قيادة عسكرية تمثلت بقيادة الجيش الحر
و فرحنا بذلك و باركنا لأنه شرط أساسي لحسم الصراع و النصر و جني الثمار الايجابية هو الوحدة و التنظيم و القيادة الواعية المعتدلة و وضوح الهدف و الرؤية
و بعد فترة تبين أن هذه القيادة مشلولة يسيطر عليها الإخوان الذين ثبت فشسلهم طيلة 80 سنة و هي عبارة عن هياكل كرتونية غير فاعلة على الارض مزقتها و أضعفتها الخلافات و لديها تصحر سياسي و اداري مضى عليها عدة سنوات من المحاولات و الاجتماعات لتصحيح الوضع دون جدوى و هذه كانت انتكاسة كبرى ثانية في مسار الانتفاضة كانت سببا رئيسيا في تأخير النصر و انحراف الانتفاضة عن مسارها نحو التطرف الذي جعل دول العالم تتوجس منها
و لم أجد تشبيها لسياسة و إدارة قيادة المعارضة للانتفاضة أفضل من شخص مشلول لا يستطيع أن يقدم شئ و لا تنفع معه المساعدة فلا بد من القيام بواجباته حتى تستقيم الامور
و لكن عنده لسان سليط و كبر وعنجهية و تنكر للمعروف حال دون قيام الاصدقاء بواجباته فلا يرحم و لا يسمح للرحمة بالنزول
 و لذلك تاهت الانتفاضة في اودية الضعف و الاستعلاء و نكران الجميل و رمي الفشل على الآخرين
و كان لعقدة المؤامرة لدى المعارضة التي غرسها النظام الاسدي و جنى ثمارها اليوم سبب رئيسي لهذا الضعف لأنها تشل العقل عن التفكير السليم لمعرفة الاسباب و ايجاد الحلول للمشاكل و تجعل صاحبها يشك في الجميع و لا يثق بأحد
و كان للفكر الثوري الاستبدادي الذي غرسه النظام و جنى ثماره اليوم دور رئيسي في تمزق المعارضة و تنازعها و فشلها لأن هذا الفكر يضخم نزعة الأنا و يغرس عزة جوفاء آثمة تجعل صاحبها لا ينقاد لأحد فالكل رؤساء و زعامات
و هذا الخلل الخطير شكل فراغ و سنة الله في كونه لا تسمح بالفراغ فإذا لم تملؤه بالخير سوف ياتي من يملؤه بالشر و جاءت التنظيمات المتطرفة لملئ الفراغ
حيث  رأى النظام السوري و إيران أن أمريكا و الغرب و دول الخليج مصممة على الاطاحة بالنظام السوري فلجؤوا إلى تنظيم القاعدة لانقاذه من السقوط ع فظهر تحت اسم براق جبهة النصرة و عمل في البداية في الخفاء و بهدوء و بطريقة مدروسة 
و بعد أن تمكنوا كشفوا القناع عن وجههم الحقيقي و دول التحالف لا تجهل ذلك فهي تراقب الساحة السورية عن كثب و حذروا المعارضة السورية التي يهمين عليه الاخوان من خطورة وجود جماعات متطرفة في صفوفهم و جاء الرد بنفي وجود تنظيمات متطرفة بينهم وعندما صنفوهم على قائمة الارهاب  أطلقوااسم جمعة جبهة النصرة تمثلنا و تم رفع أعلام و شعارات تثير الشكوك و الشبهات و تهدد الدول التي تدعم الانتفاضة فهل رأيتم عاقل يدعم عدوه ليقتله بالسلاح الذي دعم فيه !!!!
 و الغريب أن هناك من يضع آمال على المشروع الاسلامي من هؤلاء المخترقين من إيران و روسيا و على راسهم الدعاة الثوريون في دول الخليج الذين يرسلون معظم الدعم لهم !!!
 و هذه الشعارات تختلف عن الهدف الذي قامت من أجله الانتفاضة و هو الحرية و الكرامة و كانت هذه انتكاسة كبرى ثالثة في مسار الانتفاضة و ربما كانت الضربة القاضية لها
و اليوم تدفع المعارضة المعتدلة و الجيش الحر ثمن ذلك غاليا حيث تم تهميشهم و إخراجهم من المعادلة بسبب التصحر السياسي لديهم و جهلهم بعقلية و فكر الجماعات المتطرفة و يظنون أنفسهم عباقرة عصرهم في السياسة
و لكن الدول لا تجهل ذلك فنصحوهم و لم ينتصحوا للأسباب التي ذكرتها سابقا و هذه كانت أكبر خدمة قدمتها القاعدة للنظام
و بعد أكثر من سنتين من الفشل تبين لطيف من المعارضة المعتدلة أن خلف الفشل تركيا و قطر فطالبوا بتسليم الملف للسعودية لإنقاذ سوريا من هذا الوضع المأساوي و بالفعل تم عرض الامر على السعودية و وافقت و حملت السعودية الملف بقوة فتمت إعادة هيكلة الائتلاف و الجيش الحر و كانت هناك خطوات عملية جادة لتصحيح الوضع على الارض
و استطاعت السعودية بحنكتها المعهودة إقناع أمريكا و الغرب بضرورة تسليح المعارضة بالسلاح النوعي و التدخل لحسم الصراع و بدأ السلاح يتدفق و حققت المعارضة المسلحة انتصارات على الارض دفعت النظام لاستخدام السلاح الكيماوي
و وجدت تلك الدول فرصتها الذهبية في ذلك فتحركت الاساطيل عبر البحار و كادت الضربة تقع لولا تغيرات مفاجئة حصلت على الارض قلبت المعادلة رأسا على عقب  
حيث تحرك الإخوان بقوة بدعم تركي قطري من أجل إفشال جهود السعودية في حل الازمة و سرقة ثمرة جهودها  كردة فعل على عزل مرسي و نجحوا في ذلك لأن الاخوان بارعون في الهدم أما في البناء فاشلون  حيث تم تشكيل تكتلات من الكتائب الاسلامية أعلنت عدم اعترافها بالائتلاف و هيئة الاركان و اتهمتهم بالعمالة لأمريكا
 و تم تحريض داعش على التحرك و السيطرة على المناطق المحررة
و النظام يتقن اللعب بخلاف المعارضة فأعلن عن تنفيذ ما تريده أمريكا و بذلك تم القضاء على عملية الانعاش الاخيرة فتحول المسار نحو فرض حل سياسي للازمة بعد أن يئست الدول من المعارضة و تصرفاتها فإذا لم تتقن الطبخ لتأكل رعيتك حسب ما يريدون فسوف يأتي غيرك ليطبخ و يطعمك حسب ما يريد ، هذا يدل على أن الاخوان يعملون لمشروعهم  و مصالح الحزبية الذي يتعارض مع مصلحة سوريا كدولة و وطن مستقل ذو سيادة فتم تضييع جهود المجاهدين الصادقين و دماء الشهداء من أجل كرسي مرسي بل إضاعة سوريا و المنطقة
و أحسب أن القرارات الدولية قد اتخذت و الطبخة أوشكت على الاستواء و هي تقسيم سوريا بين إيران و تركيا كأمر واقع فرضه المحور الايراني الاخواني
و لكن تلك الدول لا تريد للمعارضة خسارة كل شئ بعد هذه التضحيات و الدمار فتريد ان تحصل لها و لو نصف مطالبها من خلال الحوار السياسي .
فإذا اصرت المعارضة و النظام على عنادهم و لم يتحاورا الحوار الجاد المتوازن فسوف يخسر الطرفان و لا يوجد رابح و ستذهب سوريا و شعبها معهم نحو الفشل و الدمار ضحية عنادهم و أنانيتهم .
 و من العجب أن قادة المعارضة سيلجئون لتلك الدول التي يتهمونها بالتآمر عليهم و التخاذل و العمالة  ليعيشوا بصغار صنعوه بأنفسهم و سوف ينوحون و يبكون و يوزعون الاتهامات يمينا و شمالا على تلك الدول التي تستضيفهم يتنعمون بخيراتهم و أمنهم و حريتهم و يطعنون بظهورهم .
ليظهروا قلة مروءتهم على الملئ فكيف سيكتب العزة و الكرامة لهذه الامة على ايدي هؤلاء؟؟؟
و للأسف إن الذي سيدفع ثمن غباء قيادة المعارضة و عناد النظام الاسدي و عدم شعورهم بالمسؤولية أمام الله ثم الشعب هم الشرفاء من الشعب السوري الذي ضحوا بالغالي و النفيس من اجل كرامة الشعب السوري و لكن هؤلاء أضاعوا ثمرة أتعابهم و تضحياتهم
صدق من سمى هذه الانتفاضة الكاشفة أو الفاضحة لقد كشفت كل على حقيقته ليعرف نفسه و يعرف الناس  قدره و مقداره و الله لا يضيع مثقال ذرة فكل سوف يلقى جزاءه في الدنيا و الآخرة
و لكن ينبغي ألا تمر هذه المأساة و الخسارة الكبيرة دون أخذ العبر و الدروس لقد نجحت ايران في ادارة الصراع لمصلحتها بسبب التفاف أتباعها حولها و كان سبب هذه الخسارة الكبيرة لأهل السنة بسبب عدم التفافهم حول مرجعية سياسية بل الكثير منهم لا هم له سوى الطعن بمرجعية أهل السنة السعودية و إذا لم تصحوا الأمة من غفوتها فربما تذهب جميع البلدان الاسلامية إلى المجهول
و من العجب و الظلم الشنيع يبيعون أوطانهم للأعداء بسبب جهلهم و عشقهم للسلطة و تقديمهم مصالحهم الحزبية الضيقة على مصلحة الوطن و يخدعون أنفسهم بأن هذا من أجل الاسلام و بعد ذلك يلقون باللوم على السعودية و يعطون تعليمات للسعودية و دول الخليج بالحذر من خطر إيران و ينسون بأن دول الخليج تدرك خطر إيران يوم كانوا يصفقون لمقاومتها و ممانعتها !!!!
و في الختام أنصح بعدم تضييع الفرصة الأخيرة و اللجوء إلى الحوار السياسي الجاد لتحصيل ما يمكن تحصيله بدلا من خسارة كل شئ
الكاتب :عبد الحق صادق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.