منقول :
جريدة الشرق الاوسط
جريدة الشرق الاوسط
البنا أسس تنظيما للاغتيالات والجماعة دعمت انقلاب 1948 في اليمن - (الحلقة الأولى)
عبد الله بن بجاد العتيبي
في مصر وبعد 30 يونيو (حزيران) 2013 وانتفاضة الشعب المصري والجيش ضد جماعة الإخوان المسلمين، اعتصمت الجماعة ومحازبوها من الجماعة الإسلامية وبعض جماعات الإرهاب في ميدان «رابعة العدوية» وميدان «النهضة»، وكانت منصات الخطابة في تلك الميادين تمطر المملكة العربية السعودية بالكثير من التهجمات والشتائم.
تطور الأمر لاحقا إلى حملة كبيرة للهجوم على السعودية وكَيْل الاتهامات لها، بسبب مساندتها لخيار الشعب المصري. وهي حملة شارك فيها بعض المنتسبين للجماعة وللإسلام السياسي بشكل عام في السعودية ودول الخليج. وأخذ بعض رموز الإخوان يكررون الهجوم على السعودية والإمارات العربية المتحدة، من على منابر الجمعة في دولة قطر، وقناة «الجزيرة» تشارك في تلك الحملة بكل قوة.
والسؤال هو هل هذا الموقف من الجماعة تجاه السعودية هو موقف جديد ومختلف عما سبقه أم أنه موقف قديم وراسخ ومستمر لدى جماعة الإخوان المسلمين؟
في 2012 تهجم راشد الغنوشي في كلمة له في «معهد واشنطن» على السعودية ودول الخليج وقال: «الثورات تفرض على الملكيات العربية اتخاذ قرارات صعبة، فإما أن تعترف بأن وقت التغيير قد حان، أو أن الموجة لن تتوقف عند حدودها لمجرد أنها نظم ملكية. الجيل الشاب في السعودية لا يعتقد أنه أقل جدارة بالتغيير من رفاقه في تونس أو سوريا».
وقبل الغنوشي وفي 2009 وقفت جماعة الإخوان المسلمين مع جماعة الحوثيين في اليمن عند اعتدائها على الحدود السعودية بالقوة المسلحة، وأصدرت بيانا ينحاز للحوثي ويتهجم على السعودية وينكر عليها حقها في الدفاع عن حدودها، في شواهد كثيرة ليس الغرض إحصاءها بل الإشارة إلى بعضها.
عبر العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، عن رؤية ثاقبة بمواقفه التاريخية المساندة للدولة المصرية والشعب المصري منذ إسقاط حكم الإخوان المسلمين وصولا للأمر الملكي الذي جرم جماعة الإخوان المسلمين وعدَّها إرهابية.
وقصة جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي المشابهة لها «ومن في حكمها»، بحسب بيان وزارة الداخلية السعودية الصادر في 7 مارس (آذار) 2014، مع المملكة العربية السعودية تستحق أن تروى.
أولا: ما قبل التأسيس. قبل 1928.
من أين جاءت فكرة تحويل الإسلام ودولة الخلافة إلى جماعة سياسية دينية؟ من أول من فكر بها بهذه الطريقة التي نعرفها اليوم؟ من أو ما هو المصدر الرئيس؟ يبدو أن أقرب جواب للصحة هو أن الفكرة نشأت في ذهن جمال الدين الأفغاني، وقد تلقفها حسن البنا من هناك مع استحضار أن البنا تأثر أيضا بالأحزاب القومية الأوروبية كالنازية والفاشية والبلشفية.
إن موارد الفكر الإخواني بشكل عام، وحسن البنا بشكل خاص، لها مصادر عدة: المصدر الصوفي، وقد تحدث عنه حسن البنا وغيره من رموز الإخوان، والمصدر السلفي بمعناه العام، كما أن والد حسن البنا أحمد الساعاتي يعد سلفيا كونه من أهل الحديث وعمله في ترتيب مسند الإمام أحمد المسمى «الفتح الرباني» مشهور لدى التيارات السلفية، وأهل الحديث منهم تحديدا.
حسن البنا باني تنظيمات بارع ولكنه ليس منتج أفكار، ومجمل الخطاب الإخواني الذي تبناه حسن البنا والإخوان عموما قبل سيد قطب، وبخاصة في شِق تسييس الدين، أو بالأحرى التخريجات والتأويلات الجديدة للفقه فيما يتعلق بالشؤون السياسية ودور رجل الدين فيها، هي لدى حسن البنا تتصل بخط واضح يبدأ من موقف عمر مكرم مع خورشيد باشا والتبرير الديني للانقلاب عليه مع محمد علي، نقل الجبرتي عنه قوله في سعيه لعزل خورشيد باشا: «إنما أولو الأمر هم حملة الشريعة والسلطان العادل. وهذا رجل ظالم خارج عن قانون البلاد وشريعتها، وقد كان لأهل مصر دائما الحق في أن يعزلوا الوالي إذا أساء ولم يرض الناس عنه، على أني أذكر لك أن الخليفة والسلطان إذا سار في الناس بالجور والظلم كان لهم عزله وخلعه».
وعمر مكرم شيخ أزهري كانت له شعبية عارمة، وهو ساعد محمد علي باشا ضد المماليك، وضد الوالي التركي خورشيد باشا، وقدم قراءة فقهية جديدة لنصوص الطاعة مثلت نقلة نوعية في علاقة الفقهاء بالمماليك تلك الممتدة لقرون حيث كان دور الفقهاء لا يتعدى التصديق.
وبعد مكرم يأتي رفاعة الطهطاوي في شق غير صغير من فكره، ثم جمال الدين الأفغاني المثير للكثير من الجدل والذي يبدو أن البنا كان ينظر له كنموذج يريد أن يحتذيه ومحمد عبده في مرحلته الأولى قبل أن يعود عنها ويطلق عبارته المشهورة: «لعن الله ساس ويسوس وسياسة».
لم يكن لدى حسن البنا ما كان لدى جمال الدين الأفغاني من العلم والمعرفة ولا من قوة الشخصية ونفوذ التأثير، ولكن يبدو أن الأفغاني كان حاضرا كثيرا لدى البنا في مشروعه، فبعد فكرة توسل الدين لتحقيق أغراض سياسية والمشار لها أعلاه فقد حاول البنا تقليد الأفغاني في كثير من الأمور، ففي حين أنشأ الأفغاني بعد تركه للمحفل الماسوني ما كان يعرف بـ«المحفل الوطني الحر» فقد أنشأ البنا جماعة هي جماعة الإخوان المسلمين، وحين خطط الأفغاني وعبده لاغتيال الخديوي إسماعيل، كما تورد المصادر، ومنها كتاب «عمائم ليبرالية في ساحة العقل والحرية» لرفعت السعيد، فقد أسس البنا تنظيما سريا كاملا للاغتيالات والتفجيرات، وحين تآمر الأفغاني لخلع الخديوي إسماعيل بالتعاون مع الفرنسيين وولي العهد الأمير توفيق فقد تآمر البنا مع بعض آل الوزير في اليمن لخلع الإمام يحيى فيما بات يعرف بثورة 1948، وحين كان الأفغاني يتلاعب في مواقفه السياسية مع كل الأطراف في كل بلد أقام فيه فقد فعل البنا الأمر عينه، حيث تراقص في تحالفاته بين القصر وحزب الوفد والأحزاب الأخرى والإنجليز، وأخيرا فكما أنشأ الأفغاني الكثير من الصحف فعل البنا الأمر ذاته.
هذه مجرد أمثلة سريعة توضح حجم التشبه بالأفغاني الذي أحسب أن البنا كان واعيا به ويسعى له مع عدم إغفال مساحة الاختلاف التي تحتمها المرحلة التاريخية والظروف المتغيرة والمعطيات المختلفة التي عاشها كل منهما بطبيعة الحال، وهو أمر كتب فيه الإخوان المسلمون كثيرا، وكتب فيه غيرهم، ومن أهم الاختلافات بين الرجلين أن الأفغاني كان عالما ومفكرا، وكان يستهدف النخبة دائما ويسعى لصنعها والانطلاق منها، بينما لم يكن البنا عالما ولا مفكرا، ومن هنا فقد كان يلاعب النخبة السياسية الموجودة كالملك وحاشيته والنحاس باشا ونحوهم، ويتملق النخب الثقافية كما في حديثه مع طه حسين أو في محاولته استمالة أحمد أمين.
وجماعة الإخوان المسلمين على مستوى الممارسة كانت تتلاعب بمواقفها وعلاقتها وتتناقض بين الخطاب والممارسة، بل بين كل واحد منهما في كل مرحلة، فمثلا وهي الجماعة التي كانت تطرح دائما محاربتها للصليبية الغربية والصهيونية العالمية كانت على تواصل دائم مع الدول الغربية منذ مؤسسها حسن البنا وإلى اليوم، وهي علاقات كانت تقيمها سرا ومن تحت الطاولة ضدا لدولتها التي نشأت فيها، وقد أخذ حسن البنا مبلغا ماديا من شركة قناة السويس الإنجليزية قدره خمسمائة جنيه، وكانت لجماعته اتصالات بالألمان وشاركت الجماعة في الترويج للدعاية الألمانية وتوزيع خطب هتلر (الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ، محمود عبد الحليم، 1-347) وكانت لهم اتصالات سابقة ولاحقة مع البريطانيين كما ذكر بتدقيق الباحث المعروف علي العميم في مقدمته الماتعة لكتاب ج. هيوارث دن («الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة»، الصادر عن دار «جداول») وكذلك مع الأميركيين منذ الخمسينات وحتى اليوم («الحكومات الغربية والإسلام السياسي بعد 2011»، كتاب المسبار، بحث ستيفن بروك).
تسمية «الإخوان»، من أين جاءت؟
ثمة رأيان هنا: يرى الأول أن تسمية الإخوان مقتبسة من فكرة «الأخويات المسيحية» المنتشرة في أوروبا والتي كانت لها تجليات في مصر عبر «جمعية الشبان المسيحيين» التي قام بعدها عدد من الأعيان والمثقفين من التيارات المدنية بإنشاء «جمعية الشبان المسلمين» وكانت تقوم بأنشطة مشابهة لأنشطة الشبان المسيحيين على عكس ما يوحي به اسمها من صفة دينية.
والرأي الآخر يميل إلى أنها جاءت تأثرا بـ«إخوان من طاع الله» السعوديين. ومع عدم الحصول على معلومة موثقة عن سبب التسمية سوى القصة التي رواها البنا في كتابه «مذكرات الدعوة والداعية» التي بدا فيها أن التسمية جاءت عفوية في أول اجتماع له مع المؤسسين الستة للجماعة، إلا أن مذكرات البنا لا يمكن الوثوق بها كثيرا فهي كتاب صاغه البنا لاحقا بعد تطور الجماعة، وقد كتبه بأثر رجعي روى فيه مذكراته بحسب مصالحه لحظة كتابة الكتاب لا كما حدثت بالفعل. ولكن ثمة مؤشرات لإمكانية تأثره بتسمية الإخوان السعوديين، ومنها:
1- شيوع صيت «إخوان من طاع الله» السعوديين في مصر والصحافة المصرية على وجه الخصوص، وبخاصة بعد نجاحهم كجيش سعودي في السيطرة على الحرم الشريف في مكة ومن بعد في المدينة. وهو اهتمام استمر حتى بعد خلافهم اللاحق مع قائدهم الملك عبد العزيز.
2- الإعجاب المتنامي لدى بعض المثقفين العرب بشخصية الملك عبد العزيز وتجربته، في أثناء البحث عن خليفة يعقب العثمانيين أو ملك يجمع العرب، وقد كتب في ذلك كثيرون منهم أمين الريحاني وخير الدين الزركلي وشكيب أرسلان وآخرون.
3- إعجاب البنا بالملك عبد العزيز الذي عبر عنه في مذكراته، وفي مجموعة رسائله فقال مثلا: «وفي التاريخ الحديث أروع المثل على ذلك، فمن كان يظن أن الملك عبد العزيز آل سعود وقد فنيت أسرته وشرد أهله وسلب ملكه يسترد هذا الملك ببضعة وعشرين رجلا، ثم يكون بعد ذلك أملا من آمال العالم الإسلامي في إعادة مجده وإحياء وحدته». («مجموعة الرسائل» ص58). وأمثالها من العبارات التي تحمل هذا المعنى، وهو إعجاب له أكثر من مصدر:
أ- شيوخه المبرزين الذين لهم علاقات واسعة مع الملك عبد العزيز وعلى رأسهم محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب.
ب- والده أحمد البنا أو أحمد الساعاتي الذي كان معتكفا على تأليف كتاب «الفتح الرباني في ترتيب مسند أحمد الشيباني» أي مسند أحمد بن حنبل الفقيه المعتمد نجديا، وقد كان لوالده اتصال بالملك عبد العزيز وببعض أئمة الدعوة النجدية، عن طريق محمد نصيف، وإمام الحرم أبو السمح، وهو ممن استفاد من رعاية الملك عبد العزيز لنشر الكتب الدينية.
ت- اتصاله المباشر مع السعودية عن طريق حافظ وهبه، وعرض القدوم للعمل في السعودية كمدرس: «وفي خطاب بعث به حسن لوالده من الإسماعيلية بدا حزينا ومتألما أنه لم يتمكن من السفر». (حلمي النمنم، «حسن البنا الذي لا يعرفه أحد»، ص109).
وقد وقفت بعد كتابة هذه المؤشرات على كتاب ثروت الخرباوي «سر المعبد» وينقل فيه حوارا بينه وبين الإخواني المحامي أحمد ربيع يقول فيه ربيع: «ويبدو أن حسن البنا قد فكر في إنشاء جماعته وخطط لها حينما كان شابا يافعا يطلب العلم في مدرسة دار العلوم، فقد قرأ وقتها الأخبار التي أخذت تتواتر من نجد والجزيرة العربية عن جيش (الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود) الذي أخذ يساعده في إخضاع الجزيرة العربية له، ليأخذ الحكم عنوة من آل رشيد، أطلق عبد العزيز آل سعود على جيشه (الإخوان) و(إخوان من طاع الله) وجعل شعارا لهم السيف وعبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
قاطعته: إذن الاسم له أصل؟
أحمد ربيع: نعم هكذا قال لي الأستاذ محمود عبد الحليم.
قلت متعجبا: ولكنه لم يقل هذا في كتابه (الإخوان المسلمون... أحداث صنعت التاريخ) لا على الاسم ولا على الشعار!
أحمد ربيع: ستتعجب حينما تعرف أنه قال هذا، ولكن الكتاب خضع لمراجعة من الحاج مصطفى مشهور، وقد طلب منه أن يحذف هذا الكلام... ارتسمت هذه الأفكار في رأس حسن البنا فكان أن أنشأ فور تخرجه (الحركة) أنشأ الجماعة، وكان هاجس جيش إخوان آل سعود يسيطر على فؤاده» (ص180).
كما نقل الخرباوي عن الإخواني أحمد أبو غالي قوله: «كانت دولة آل سعود شاخصة في ذهن البنا، وكان يعتبرها الدولة (البروفة) لدولة الخلافة الإسلامية التي كان يرى نفسه من خلالها خليفة المسلمين» (ص219). ويضيف عن أحمد أبو غالي قوله: «في عام 1935 عرض الشيخ حسن البنا على جدي (يقصد طنطاوي جوهري) أن يقوم بإنشاء تنظيم خاص للجماعة، وإنشاء هيكله وطريقته وبرنامجه وأهدافه... وطلب منه أن يدرس تجربة المملكة العربية السعودية التي كانت ناشئة حديثا وقال له وهو يحبب له الفكرة: إن عبد العزيز آل سعود لم ينشئ دولة إسلامية في الجزيرة إلا بجيش الإخوان، فلماذا لا يكون لدينا الجيش الذي ننشئ به دولة إسلامية بمصر» (ص 266).
تنبئ مذكرات حسن البنا أنه كان حالما بلا حدود، وقائدا ناجحا، كما تنبئ أنه رغم حديثه الكثير عن الآخرة فإن المذكرات تبرز اهتمامه الزائد بالدنيا، أما في «مجموع الرسائل» فيظهر البنا ذكاء وبرغماتية عالية، ومن أمثلة هذا حديثه حين يتناول مسائل شائكة كالوطنية والقومية ونحوهما، فهو يتبع أسلوبا غير واضح فنجده يقول إن كان المقصود بهذا المفهوم كذا من المعاني التي تناسبه والتي يستطيع بها الالتفاف على المعنى الظاهر للمفهوم وجعله مناسبا لتوجهه، وربما أفرغ المفهوم من معناه، وقد اعتمد كثيرا على التناقضات في أقواله وأفعاله، ومن أمثلة هذا، وهي كثيرة، تذمره من تكرار توضيحه لدعوته، ومن تكرار التباسها على الناس («مجموعة الرسائل»، ص37 مثلا).
من جهته فقد كان الملك عبد العزيز حريصا على توثيق صلاته بفقهاء العالم الإسلامي من الهند وباكستان إلى مصر والشام والعراق وغيرها، وكان يقدم لهم أنواع الدعم كافة، على شح ذات اليد في البدايات. وصارت هذه سياسة سعودية ثابتة.
يذكر محمد حامد الفقي السلفي المصري في بداية إطلاقه لمجلة «الإصلاح: صحيفة دينية علمية اجتماعية أخلاقية» التي كان ينشرها من مكة المكرمة وقد صدر عددها الأول في 1 أغسطس (آب) 1928 على لسان الملك عبد العزيز قوله للفقي: «وأن لا تتعرض الصحيفة للشؤون السياسية العامة أو الخاصة». وأضاف: «إذا سلكت الصحيفة هذه الطريقة الحكيمة كان حقا على كل مخلص أن يقدم لها ما يقدر عليه من مساعدة مادية أو أدبية وأنا أول المساعدين لها على ذلك». (مجلد «مجلة الإصلاح» ص 5).
يقول زكريا سليمان بيومي: «وسعى (أي عبد العزيز) لاستمالة بعض الكتاب من أتباع الاتجاه الإسلامي بكل قياداته التي شملت الاتجاه السلفي الذي كان يمثله محمد رشيد رضا، مجلته «المنار»، وحتى أتباع الطرق الصوفية من أمثال الشيخ محمد ماضي أبو العزايم، الدعوة السلفية الوهابية تعارضها، إلى جانب بعض مشايخ الأزهر». راجع: (زكريا بيومي: «موقف مصر من ضم ابن سعود للحجاز 1924-1926»، القاهرة، دار الكتاب الجامعي، الطبعة الأولى 1989 ص15).
كانت وسيلة عبد العزيز الأشهر لهذا الدعم هي طباعة الكتب، لنشر العلم أولا، ولكسب الولاءات الدينية والسياسية ثانيا، وكان يستفيد من بعضهم للرد على بعض تشددات علماء نجد، وفي هذا السياق فقد رعت السعودية حسن البنا مؤسس الجماعة كما رعت والده في مشروعه الموسوعي «الفتح الرباني» (جمال البنا.. «خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه»، ص47).
وتأتي علاقة السعودية بحسن البنا وجماعته «الإخوان المسلمون» ضمن هذا السياق، حتى قبل أن ينشئ الجماعة، وقبل أن تنتشر ويكون لها الصيت الذي حصلت عليه لاحقا.
وفي بواكير صلات الإخوان بالسعودية نبدأ برواية حسن البنا نفسه، قال: «كما كان ينفس عن نفسي التردد على المكتبة السلفية... حيث نلتقي الرجل المؤمن المجاهد العامل القوي العالم الفاضل والصحافي الإسلامي القدير السيد محب الدين الخطيب... كما نتردد على دار العلوم ونحضر في بعض مجالس الأستاذ السيد رشيد رضا». («مذكرات الدعوة والداعية»، ص47).
ويضيف: «أن فضيلة الشيخ حافظ وهبه مستشار جلالة الملك ابن آل سعود حضر إلى القاهرة رجاء انتداب بعض المدرسين من وزارة المعارف إلى الحجاز ليقوموا بالتدريس في معاهدها الناشئة... واتصل الشيخ حافظ وهبه بجمعية الشبان المسلمين لتساعده في اختيار المدرسين، فاتصل بي السيد محب الدين الخطيب وحدثني في هذا الشأن فوافقت مبدئيا... وجاءني بعد ذلك الخطاب التالي من الدكتور يحيى الدرديري المراقب العام للجمعية بتاريخ 6 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1928 (هذا ونرجوكم التفضل بالحضور يوم الخميس المقبل... وذلك لمقابلة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ حافظ وهبه مستشار جلالة الملك ابن آل سعود للاتفاق معه على السفر وشروط الخدمة للتدريس في المعهد السعودي بمكة) وفي الموعد التقينا وكان أهم شرط وضعته أمام الشيخ حافظ ألا أعتبر موظفا يتلقى مجرد تعليمات لتنفيذها، بل صاحب فكرة يعمل على أن تجد مجالها الصالح في دولة ناشئة هي أمل من آمال الإسلام والمسلمين، وشعارها العمل بكتاب الله وسنة رسوله وتحري سيرة السلف الصالح».
وقد تعثر هذا المشروع لأسباب بيروقراطية، واستمر البنا مدرسا في الإسماعيلية التي أنشأ فيها «جماعة الإخوان المسلمين».
ثانيا: ما بعد التأسيس. 1928 - 1936.
أنشأ البنا جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928 وبعد إحكام التأسيس تطلع للتواصل مع الخارج وفي هذا يقول البنا: «كان الإخوان ينتهزون كل فرصة فيتصلون برجال الدول العربية والإسلامية، توثيقا للرابطة ونشرا للدعوة، ومن ذلك زيارتهم للسيد عباس القطان بمناسبة مرضه... وتحدثوا مليا في شؤون الحجاز وشؤون المسلمين عامة». (حسن البنا، «مذكرات الدعوة والداعية»، ص161).
والسيد عباس القطان كان محافظ المدينة المنورة. وقد ذكر شكيب أرسلان في كتابه «خلاصة رحلة المرحوم السيد أحمد الشريف السنوسي»: «ثم دعاه صديقه الشيخ عباس قطان، رئيس بلدية مكة». (ص48) ويبدو أن اختلاف منصب قطان كان لاختلاف الزمان.
وبعد محاولة الاعتداء على الملك عبد العزيز في الحرم من قبل أحد اليمنيين، قرر المجتمعون في المؤتمر الثالث لجماعة الإخوان المسلمين 1934 «بأن يرفع مكتب الإرشاد باسمهم التهنئة الخالصة لجلالة الملك عبد العزيز آل سعود على نجاته، واستنكار هذا العدوان الأثيم».
تطور الأمر لاحقا إلى حملة كبيرة للهجوم على السعودية وكَيْل الاتهامات لها، بسبب مساندتها لخيار الشعب المصري. وهي حملة شارك فيها بعض المنتسبين للجماعة وللإسلام السياسي بشكل عام في السعودية ودول الخليج. وأخذ بعض رموز الإخوان يكررون الهجوم على السعودية والإمارات العربية المتحدة، من على منابر الجمعة في دولة قطر، وقناة «الجزيرة» تشارك في تلك الحملة بكل قوة.
والسؤال هو هل هذا الموقف من الجماعة تجاه السعودية هو موقف جديد ومختلف عما سبقه أم أنه موقف قديم وراسخ ومستمر لدى جماعة الإخوان المسلمين؟
في 2012 تهجم راشد الغنوشي في كلمة له في «معهد واشنطن» على السعودية ودول الخليج وقال: «الثورات تفرض على الملكيات العربية اتخاذ قرارات صعبة، فإما أن تعترف بأن وقت التغيير قد حان، أو أن الموجة لن تتوقف عند حدودها لمجرد أنها نظم ملكية. الجيل الشاب في السعودية لا يعتقد أنه أقل جدارة بالتغيير من رفاقه في تونس أو سوريا».
وقبل الغنوشي وفي 2009 وقفت جماعة الإخوان المسلمين مع جماعة الحوثيين في اليمن عند اعتدائها على الحدود السعودية بالقوة المسلحة، وأصدرت بيانا ينحاز للحوثي ويتهجم على السعودية وينكر عليها حقها في الدفاع عن حدودها، في شواهد كثيرة ليس الغرض إحصاءها بل الإشارة إلى بعضها.
عبر العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، عن رؤية ثاقبة بمواقفه التاريخية المساندة للدولة المصرية والشعب المصري منذ إسقاط حكم الإخوان المسلمين وصولا للأمر الملكي الذي جرم جماعة الإخوان المسلمين وعدَّها إرهابية.
وقصة جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي المشابهة لها «ومن في حكمها»، بحسب بيان وزارة الداخلية السعودية الصادر في 7 مارس (آذار) 2014، مع المملكة العربية السعودية تستحق أن تروى.
أولا: ما قبل التأسيس. قبل 1928.
من أين جاءت فكرة تحويل الإسلام ودولة الخلافة إلى جماعة سياسية دينية؟ من أول من فكر بها بهذه الطريقة التي نعرفها اليوم؟ من أو ما هو المصدر الرئيس؟ يبدو أن أقرب جواب للصحة هو أن الفكرة نشأت في ذهن جمال الدين الأفغاني، وقد تلقفها حسن البنا من هناك مع استحضار أن البنا تأثر أيضا بالأحزاب القومية الأوروبية كالنازية والفاشية والبلشفية.
إن موارد الفكر الإخواني بشكل عام، وحسن البنا بشكل خاص، لها مصادر عدة: المصدر الصوفي، وقد تحدث عنه حسن البنا وغيره من رموز الإخوان، والمصدر السلفي بمعناه العام، كما أن والد حسن البنا أحمد الساعاتي يعد سلفيا كونه من أهل الحديث وعمله في ترتيب مسند الإمام أحمد المسمى «الفتح الرباني» مشهور لدى التيارات السلفية، وأهل الحديث منهم تحديدا.
حسن البنا باني تنظيمات بارع ولكنه ليس منتج أفكار، ومجمل الخطاب الإخواني الذي تبناه حسن البنا والإخوان عموما قبل سيد قطب، وبخاصة في شِق تسييس الدين، أو بالأحرى التخريجات والتأويلات الجديدة للفقه فيما يتعلق بالشؤون السياسية ودور رجل الدين فيها، هي لدى حسن البنا تتصل بخط واضح يبدأ من موقف عمر مكرم مع خورشيد باشا والتبرير الديني للانقلاب عليه مع محمد علي، نقل الجبرتي عنه قوله في سعيه لعزل خورشيد باشا: «إنما أولو الأمر هم حملة الشريعة والسلطان العادل. وهذا رجل ظالم خارج عن قانون البلاد وشريعتها، وقد كان لأهل مصر دائما الحق في أن يعزلوا الوالي إذا أساء ولم يرض الناس عنه، على أني أذكر لك أن الخليفة والسلطان إذا سار في الناس بالجور والظلم كان لهم عزله وخلعه».
وعمر مكرم شيخ أزهري كانت له شعبية عارمة، وهو ساعد محمد علي باشا ضد المماليك، وضد الوالي التركي خورشيد باشا، وقدم قراءة فقهية جديدة لنصوص الطاعة مثلت نقلة نوعية في علاقة الفقهاء بالمماليك تلك الممتدة لقرون حيث كان دور الفقهاء لا يتعدى التصديق.
وبعد مكرم يأتي رفاعة الطهطاوي في شق غير صغير من فكره، ثم جمال الدين الأفغاني المثير للكثير من الجدل والذي يبدو أن البنا كان ينظر له كنموذج يريد أن يحتذيه ومحمد عبده في مرحلته الأولى قبل أن يعود عنها ويطلق عبارته المشهورة: «لعن الله ساس ويسوس وسياسة».
لم يكن لدى حسن البنا ما كان لدى جمال الدين الأفغاني من العلم والمعرفة ولا من قوة الشخصية ونفوذ التأثير، ولكن يبدو أن الأفغاني كان حاضرا كثيرا لدى البنا في مشروعه، فبعد فكرة توسل الدين لتحقيق أغراض سياسية والمشار لها أعلاه فقد حاول البنا تقليد الأفغاني في كثير من الأمور، ففي حين أنشأ الأفغاني بعد تركه للمحفل الماسوني ما كان يعرف بـ«المحفل الوطني الحر» فقد أنشأ البنا جماعة هي جماعة الإخوان المسلمين، وحين خطط الأفغاني وعبده لاغتيال الخديوي إسماعيل، كما تورد المصادر، ومنها كتاب «عمائم ليبرالية في ساحة العقل والحرية» لرفعت السعيد، فقد أسس البنا تنظيما سريا كاملا للاغتيالات والتفجيرات، وحين تآمر الأفغاني لخلع الخديوي إسماعيل بالتعاون مع الفرنسيين وولي العهد الأمير توفيق فقد تآمر البنا مع بعض آل الوزير في اليمن لخلع الإمام يحيى فيما بات يعرف بثورة 1948، وحين كان الأفغاني يتلاعب في مواقفه السياسية مع كل الأطراف في كل بلد أقام فيه فقد فعل البنا الأمر عينه، حيث تراقص في تحالفاته بين القصر وحزب الوفد والأحزاب الأخرى والإنجليز، وأخيرا فكما أنشأ الأفغاني الكثير من الصحف فعل البنا الأمر ذاته.
هذه مجرد أمثلة سريعة توضح حجم التشبه بالأفغاني الذي أحسب أن البنا كان واعيا به ويسعى له مع عدم إغفال مساحة الاختلاف التي تحتمها المرحلة التاريخية والظروف المتغيرة والمعطيات المختلفة التي عاشها كل منهما بطبيعة الحال، وهو أمر كتب فيه الإخوان المسلمون كثيرا، وكتب فيه غيرهم، ومن أهم الاختلافات بين الرجلين أن الأفغاني كان عالما ومفكرا، وكان يستهدف النخبة دائما ويسعى لصنعها والانطلاق منها، بينما لم يكن البنا عالما ولا مفكرا، ومن هنا فقد كان يلاعب النخبة السياسية الموجودة كالملك وحاشيته والنحاس باشا ونحوهم، ويتملق النخب الثقافية كما في حديثه مع طه حسين أو في محاولته استمالة أحمد أمين.
وجماعة الإخوان المسلمين على مستوى الممارسة كانت تتلاعب بمواقفها وعلاقتها وتتناقض بين الخطاب والممارسة، بل بين كل واحد منهما في كل مرحلة، فمثلا وهي الجماعة التي كانت تطرح دائما محاربتها للصليبية الغربية والصهيونية العالمية كانت على تواصل دائم مع الدول الغربية منذ مؤسسها حسن البنا وإلى اليوم، وهي علاقات كانت تقيمها سرا ومن تحت الطاولة ضدا لدولتها التي نشأت فيها، وقد أخذ حسن البنا مبلغا ماديا من شركة قناة السويس الإنجليزية قدره خمسمائة جنيه، وكانت لجماعته اتصالات بالألمان وشاركت الجماعة في الترويج للدعاية الألمانية وتوزيع خطب هتلر (الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ، محمود عبد الحليم، 1-347) وكانت لهم اتصالات سابقة ولاحقة مع البريطانيين كما ذكر بتدقيق الباحث المعروف علي العميم في مقدمته الماتعة لكتاب ج. هيوارث دن («الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة»، الصادر عن دار «جداول») وكذلك مع الأميركيين منذ الخمسينات وحتى اليوم («الحكومات الغربية والإسلام السياسي بعد 2011»، كتاب المسبار، بحث ستيفن بروك).
تسمية «الإخوان»، من أين جاءت؟
ثمة رأيان هنا: يرى الأول أن تسمية الإخوان مقتبسة من فكرة «الأخويات المسيحية» المنتشرة في أوروبا والتي كانت لها تجليات في مصر عبر «جمعية الشبان المسيحيين» التي قام بعدها عدد من الأعيان والمثقفين من التيارات المدنية بإنشاء «جمعية الشبان المسلمين» وكانت تقوم بأنشطة مشابهة لأنشطة الشبان المسيحيين على عكس ما يوحي به اسمها من صفة دينية.
والرأي الآخر يميل إلى أنها جاءت تأثرا بـ«إخوان من طاع الله» السعوديين. ومع عدم الحصول على معلومة موثقة عن سبب التسمية سوى القصة التي رواها البنا في كتابه «مذكرات الدعوة والداعية» التي بدا فيها أن التسمية جاءت عفوية في أول اجتماع له مع المؤسسين الستة للجماعة، إلا أن مذكرات البنا لا يمكن الوثوق بها كثيرا فهي كتاب صاغه البنا لاحقا بعد تطور الجماعة، وقد كتبه بأثر رجعي روى فيه مذكراته بحسب مصالحه لحظة كتابة الكتاب لا كما حدثت بالفعل. ولكن ثمة مؤشرات لإمكانية تأثره بتسمية الإخوان السعوديين، ومنها:
1- شيوع صيت «إخوان من طاع الله» السعوديين في مصر والصحافة المصرية على وجه الخصوص، وبخاصة بعد نجاحهم كجيش سعودي في السيطرة على الحرم الشريف في مكة ومن بعد في المدينة. وهو اهتمام استمر حتى بعد خلافهم اللاحق مع قائدهم الملك عبد العزيز.
2- الإعجاب المتنامي لدى بعض المثقفين العرب بشخصية الملك عبد العزيز وتجربته، في أثناء البحث عن خليفة يعقب العثمانيين أو ملك يجمع العرب، وقد كتب في ذلك كثيرون منهم أمين الريحاني وخير الدين الزركلي وشكيب أرسلان وآخرون.
3- إعجاب البنا بالملك عبد العزيز الذي عبر عنه في مذكراته، وفي مجموعة رسائله فقال مثلا: «وفي التاريخ الحديث أروع المثل على ذلك، فمن كان يظن أن الملك عبد العزيز آل سعود وقد فنيت أسرته وشرد أهله وسلب ملكه يسترد هذا الملك ببضعة وعشرين رجلا، ثم يكون بعد ذلك أملا من آمال العالم الإسلامي في إعادة مجده وإحياء وحدته». («مجموعة الرسائل» ص58). وأمثالها من العبارات التي تحمل هذا المعنى، وهو إعجاب له أكثر من مصدر:
أ- شيوخه المبرزين الذين لهم علاقات واسعة مع الملك عبد العزيز وعلى رأسهم محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب.
ب- والده أحمد البنا أو أحمد الساعاتي الذي كان معتكفا على تأليف كتاب «الفتح الرباني في ترتيب مسند أحمد الشيباني» أي مسند أحمد بن حنبل الفقيه المعتمد نجديا، وقد كان لوالده اتصال بالملك عبد العزيز وببعض أئمة الدعوة النجدية، عن طريق محمد نصيف، وإمام الحرم أبو السمح، وهو ممن استفاد من رعاية الملك عبد العزيز لنشر الكتب الدينية.
ت- اتصاله المباشر مع السعودية عن طريق حافظ وهبه، وعرض القدوم للعمل في السعودية كمدرس: «وفي خطاب بعث به حسن لوالده من الإسماعيلية بدا حزينا ومتألما أنه لم يتمكن من السفر». (حلمي النمنم، «حسن البنا الذي لا يعرفه أحد»، ص109).
وقد وقفت بعد كتابة هذه المؤشرات على كتاب ثروت الخرباوي «سر المعبد» وينقل فيه حوارا بينه وبين الإخواني المحامي أحمد ربيع يقول فيه ربيع: «ويبدو أن حسن البنا قد فكر في إنشاء جماعته وخطط لها حينما كان شابا يافعا يطلب العلم في مدرسة دار العلوم، فقد قرأ وقتها الأخبار التي أخذت تتواتر من نجد والجزيرة العربية عن جيش (الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود) الذي أخذ يساعده في إخضاع الجزيرة العربية له، ليأخذ الحكم عنوة من آل رشيد، أطلق عبد العزيز آل سعود على جيشه (الإخوان) و(إخوان من طاع الله) وجعل شعارا لهم السيف وعبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
قاطعته: إذن الاسم له أصل؟
أحمد ربيع: نعم هكذا قال لي الأستاذ محمود عبد الحليم.
قلت متعجبا: ولكنه لم يقل هذا في كتابه (الإخوان المسلمون... أحداث صنعت التاريخ) لا على الاسم ولا على الشعار!
أحمد ربيع: ستتعجب حينما تعرف أنه قال هذا، ولكن الكتاب خضع لمراجعة من الحاج مصطفى مشهور، وقد طلب منه أن يحذف هذا الكلام... ارتسمت هذه الأفكار في رأس حسن البنا فكان أن أنشأ فور تخرجه (الحركة) أنشأ الجماعة، وكان هاجس جيش إخوان آل سعود يسيطر على فؤاده» (ص180).
كما نقل الخرباوي عن الإخواني أحمد أبو غالي قوله: «كانت دولة آل سعود شاخصة في ذهن البنا، وكان يعتبرها الدولة (البروفة) لدولة الخلافة الإسلامية التي كان يرى نفسه من خلالها خليفة المسلمين» (ص219). ويضيف عن أحمد أبو غالي قوله: «في عام 1935 عرض الشيخ حسن البنا على جدي (يقصد طنطاوي جوهري) أن يقوم بإنشاء تنظيم خاص للجماعة، وإنشاء هيكله وطريقته وبرنامجه وأهدافه... وطلب منه أن يدرس تجربة المملكة العربية السعودية التي كانت ناشئة حديثا وقال له وهو يحبب له الفكرة: إن عبد العزيز آل سعود لم ينشئ دولة إسلامية في الجزيرة إلا بجيش الإخوان، فلماذا لا يكون لدينا الجيش الذي ننشئ به دولة إسلامية بمصر» (ص 266).
تنبئ مذكرات حسن البنا أنه كان حالما بلا حدود، وقائدا ناجحا، كما تنبئ أنه رغم حديثه الكثير عن الآخرة فإن المذكرات تبرز اهتمامه الزائد بالدنيا، أما في «مجموع الرسائل» فيظهر البنا ذكاء وبرغماتية عالية، ومن أمثلة هذا حديثه حين يتناول مسائل شائكة كالوطنية والقومية ونحوهما، فهو يتبع أسلوبا غير واضح فنجده يقول إن كان المقصود بهذا المفهوم كذا من المعاني التي تناسبه والتي يستطيع بها الالتفاف على المعنى الظاهر للمفهوم وجعله مناسبا لتوجهه، وربما أفرغ المفهوم من معناه، وقد اعتمد كثيرا على التناقضات في أقواله وأفعاله، ومن أمثلة هذا، وهي كثيرة، تذمره من تكرار توضيحه لدعوته، ومن تكرار التباسها على الناس («مجموعة الرسائل»، ص37 مثلا).
من جهته فقد كان الملك عبد العزيز حريصا على توثيق صلاته بفقهاء العالم الإسلامي من الهند وباكستان إلى مصر والشام والعراق وغيرها، وكان يقدم لهم أنواع الدعم كافة، على شح ذات اليد في البدايات. وصارت هذه سياسة سعودية ثابتة.
يذكر محمد حامد الفقي السلفي المصري في بداية إطلاقه لمجلة «الإصلاح: صحيفة دينية علمية اجتماعية أخلاقية» التي كان ينشرها من مكة المكرمة وقد صدر عددها الأول في 1 أغسطس (آب) 1928 على لسان الملك عبد العزيز قوله للفقي: «وأن لا تتعرض الصحيفة للشؤون السياسية العامة أو الخاصة». وأضاف: «إذا سلكت الصحيفة هذه الطريقة الحكيمة كان حقا على كل مخلص أن يقدم لها ما يقدر عليه من مساعدة مادية أو أدبية وأنا أول المساعدين لها على ذلك». (مجلد «مجلة الإصلاح» ص 5).
يقول زكريا سليمان بيومي: «وسعى (أي عبد العزيز) لاستمالة بعض الكتاب من أتباع الاتجاه الإسلامي بكل قياداته التي شملت الاتجاه السلفي الذي كان يمثله محمد رشيد رضا، مجلته «المنار»، وحتى أتباع الطرق الصوفية من أمثال الشيخ محمد ماضي أبو العزايم، الدعوة السلفية الوهابية تعارضها، إلى جانب بعض مشايخ الأزهر». راجع: (زكريا بيومي: «موقف مصر من ضم ابن سعود للحجاز 1924-1926»، القاهرة، دار الكتاب الجامعي، الطبعة الأولى 1989 ص15).
كانت وسيلة عبد العزيز الأشهر لهذا الدعم هي طباعة الكتب، لنشر العلم أولا، ولكسب الولاءات الدينية والسياسية ثانيا، وكان يستفيد من بعضهم للرد على بعض تشددات علماء نجد، وفي هذا السياق فقد رعت السعودية حسن البنا مؤسس الجماعة كما رعت والده في مشروعه الموسوعي «الفتح الرباني» (جمال البنا.. «خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه»، ص47).
وتأتي علاقة السعودية بحسن البنا وجماعته «الإخوان المسلمون» ضمن هذا السياق، حتى قبل أن ينشئ الجماعة، وقبل أن تنتشر ويكون لها الصيت الذي حصلت عليه لاحقا.
وفي بواكير صلات الإخوان بالسعودية نبدأ برواية حسن البنا نفسه، قال: «كما كان ينفس عن نفسي التردد على المكتبة السلفية... حيث نلتقي الرجل المؤمن المجاهد العامل القوي العالم الفاضل والصحافي الإسلامي القدير السيد محب الدين الخطيب... كما نتردد على دار العلوم ونحضر في بعض مجالس الأستاذ السيد رشيد رضا». («مذكرات الدعوة والداعية»، ص47).
ويضيف: «أن فضيلة الشيخ حافظ وهبه مستشار جلالة الملك ابن آل سعود حضر إلى القاهرة رجاء انتداب بعض المدرسين من وزارة المعارف إلى الحجاز ليقوموا بالتدريس في معاهدها الناشئة... واتصل الشيخ حافظ وهبه بجمعية الشبان المسلمين لتساعده في اختيار المدرسين، فاتصل بي السيد محب الدين الخطيب وحدثني في هذا الشأن فوافقت مبدئيا... وجاءني بعد ذلك الخطاب التالي من الدكتور يحيى الدرديري المراقب العام للجمعية بتاريخ 6 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1928 (هذا ونرجوكم التفضل بالحضور يوم الخميس المقبل... وذلك لمقابلة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ حافظ وهبه مستشار جلالة الملك ابن آل سعود للاتفاق معه على السفر وشروط الخدمة للتدريس في المعهد السعودي بمكة) وفي الموعد التقينا وكان أهم شرط وضعته أمام الشيخ حافظ ألا أعتبر موظفا يتلقى مجرد تعليمات لتنفيذها، بل صاحب فكرة يعمل على أن تجد مجالها الصالح في دولة ناشئة هي أمل من آمال الإسلام والمسلمين، وشعارها العمل بكتاب الله وسنة رسوله وتحري سيرة السلف الصالح».
وقد تعثر هذا المشروع لأسباب بيروقراطية، واستمر البنا مدرسا في الإسماعيلية التي أنشأ فيها «جماعة الإخوان المسلمين».
ثانيا: ما بعد التأسيس. 1928 - 1936.
أنشأ البنا جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928 وبعد إحكام التأسيس تطلع للتواصل مع الخارج وفي هذا يقول البنا: «كان الإخوان ينتهزون كل فرصة فيتصلون برجال الدول العربية والإسلامية، توثيقا للرابطة ونشرا للدعوة، ومن ذلك زيارتهم للسيد عباس القطان بمناسبة مرضه... وتحدثوا مليا في شؤون الحجاز وشؤون المسلمين عامة». (حسن البنا، «مذكرات الدعوة والداعية»، ص161).
والسيد عباس القطان كان محافظ المدينة المنورة. وقد ذكر شكيب أرسلان في كتابه «خلاصة رحلة المرحوم السيد أحمد الشريف السنوسي»: «ثم دعاه صديقه الشيخ عباس قطان، رئيس بلدية مكة». (ص48) ويبدو أن اختلاف منصب قطان كان لاختلاف الزمان.
وبعد محاولة الاعتداء على الملك عبد العزيز في الحرم من قبل أحد اليمنيين، قرر المجتمعون في المؤتمر الثالث لجماعة الإخوان المسلمين 1934 «بأن يرفع مكتب الإرشاد باسمهم التهنئة الخالصة لجلالة الملك عبد العزيز آل سعود على نجاته، واستنكار هذا العدوان الأثيم».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.