تقرير: محمد عبيد الله
برلين (زمان التركية) – بمناسبة مرور عامين على محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 تموز / يوليو لعام 2016 نقدم للمهتمين بالشأن التركي خاصة، والمعنيين بالقضايا الإنسانية عامة، تقريرًا شاملاً عن أحداثها، بدءًا من إرهاصاتها حتى تداعياتها المستمرة إلى اليوم، في ضوء المعطيات الجديدة مع تحليل الوقائع والأحداث.
على الرغم من أنه تبدو في الداخل التركي سيطرة الرواية الرسمية عن الانقلاب الفاشل على عقول عامة الناس في ظل إغلاق المؤسسات الإعلامية المؤثرة، وخضوع 90% من وسائل الإعلام الحالية للسلطة الحاكمة، وضعف الإعلام البديل، إلا أن هذه الرواية لا تجد آذانًا صاغية لها في الدول والمجتمعات التي يسود فيها قدر من حرية الصحافة والتعبير عن الرأي.
الحزب الحاكم يتسر على حقائق الانقلاب
لا تسمح السلطة الحاكمة في تركيا للصحفيين بالبحث والتدقيق في أحداث الانقلاب والكشف عن ملابساتها ليكون الرأي العام على بينة من أمرها، فكل من يحاول إزالة الضباب عن هذا الانقلاب إما يجد نفسه في السجن أو يتعرض للتشويه والشيطنة على يد السلطة، بينما المفترض منها أن تسعد بهذه التحريات والبحوث وتشجّع عليها؛ نظرًا لأنها ضحية هذا الانقلاب، والكشف عن خفاياه يصب في مصلحتها! كانت الصحفيّة الشابة “إيجه سفيم أوزتورك” آخر الصحفيين الذين وجدوا أنفسهم في غيابة الزنزانة[1]، في أعقاب نشرها تقاريرَ موضوعية تكشف خيوط “الانقلاب المدبر”، بالاستناد إلى تقارير رسمية وإفادات العسكريين المتهمين بالانقلاب والتسجيلات المصورة التي تحوزها المحكمة المشرفة على القضية.
ليس هذا فحسب بل السلطة الحاكمة لا تثق حتى في لجنة التحقيق البرلمانية في المحاولة الانقلابية، رغم أن معظم أعضائها يتكون من نواب الحزب الحاكم؛ إذ أعلنت اللجنة أنها لن تستمع بشأن الانقلاب إلا إلى أقوال الجنرالات الذين ستختارهم هي، أي الشخصيات التي ستدلي بتصريحات تؤيد الرواية الرسمية للانقلاب. فقد كتبت صحيفة “جمهوريت” أن أعضاء اللجنة من نواب الحزب الحاكم زعموا أن الجنود المتورطين في محاولة الانقلاب يمكنهم أن يأتوا بكل أشكال الافتراء وأعربوا عن قلقهم قائلين: “ماذا يحدث إن زعم أحد هؤلاء الجنود أنهم تلقوْا تعليمات المحاولة الانقلابية من الرئيس أردوغان أو رئيس الوزراء!” [2].
وأعلنت اللجنة أنها لن تستدعي الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء يلدريم[3] للاستماع إلى أقوالهم، وكذلك رئيس أركان الجيش “خلوصي آكار” ورئيس المخابرات “هاكان فيدان” في البداية، ثم قررت مطالبتهما بإرسالة رسالة خطية تضم روايتهما لأحداث الانقلاب دون الحضور أمام أعضاء اللجنة، مع أن المفترض أن يكون هؤلاء أبرز المطلعين على خفايا هذا الانقلاب من أي شخص آخر. كما أن اللجنة تراجعت عن قرارها الخاص بالاستماع إلى أقوال “فتح الله كولن”، المتهم الرئيسي بتدبير الانقلاب[4].
وكذلك بادرت السلطة إلى تجنيب أهم ثلاثة أسماء عسكرية من الإدلاء بشهاداتهم فيما يخص المحاولة الانقلابية. إذ أدلى كل من رئيس الأركان خلوصي أكار والجنرال “ياشار جولر” ورئيس الأركان الثاني الجنرال “أوموت دوندار” بإفاداتهم للمحكمة في “جلسة مغلقة” دون حضور المتهمين ومحاميهم[5]، في محاولة للحيلولة دون طرح أي سؤال عليهم قد يسفر عن نتائج عكسية لا ترغبها السلطة.
والمثير للدهشة أن جميع العسكريين المتهمين بالانقلاب أكدوا أثناء الإدلاء بإفاداتهم في المحكمة أن أمر الانقلاب صدر من قادتهم وأنهم لم يفعلوا شيئًا سوى تنفيذ أوامرهم، منتقدين اعتقالهم بدلاً من قادتهم. فها هو ضابط الصف عبد الله أردوغان، حارس رئيس أركان الجيش خلوصي أكار، فجّر في المحكمة مفاجأة من العيار الثقيل عندما قال إن رئيس الأركان كان على علم بما حدث ليلة الانقلاب داخل قاعدة “أكينجي” العسكرية التي يُزعم أن الانقلابيين انطلقوا منها، وإن جميع الأحداث وقعت بأوامر صادرة منه مباشرة، وإن أكار لم يُنقل إلى هذه القاعدة مرغمًا كرهينة، كما يُدعى، بل هو من نقله إلى مقر رئاسة الأركان في يوم 15 يوليو/ تموز 2016 بشكل طبيعي دون أي مشاكل، ونوّه بأن “اعتقال المواطنين الأبرياء بتهمة المشاركة في الانقلاب مجرد عبث”[6].
فضلاً عن كل ذلك فإنه رغم مرور عامين كاملين على وقوع الانقلاب الفاشل فإن اللجنة البرلمانية المذكورة لم تطبع التقرير الذي أعده أعضاؤها في ورقة خطية لتقديمه للرأي العام، وذلك لأن هذا التقرير يتضمن معلومات متناقضة لا تقدم رواية متماسكة وتخاف السلطة من انجلاء هذه التناقضات وانهيار مزاعمها.
انهيار أسطورة تطبيق بايلوك!
ومن ثم تبين أن جهاز الاستخبارات أرسل لوزارة العدل خطابًا في 27/05/2017 يحمل عنوان “استخدام تطبيق بايلوك”، الذي تزعم الحكومة أنه كان وسيلة تواصل الانقلابيين فيما بينهم، وتجري على أساسه اعتقلات جماعية تستهدف المدنيين أكثر من العسكريين، يعترف فيه بحدوث خطإ كبير في البيانات الخاصة بمستخدمي هذا التطبيق. إذ يحذر جهاز الاستخبارات من أن القائمة الخاصة بمستخدمي التطبيق قد تكون غير دقيقة، بسبب إمكانية مشاركة الإنترنت مع الآخرين عن طريق الشبكات اللاسلكية “واي فاي”.
ومع أنّ المطلوب من وزارة العدل أن تقوم بالواجب، وتصحح الأخطاء الواردة في هذا الصدد بشكل دقيق، وإزالة المظالم التي تعرض لها عشرات الآلاف من المواطنين، أغلبهم من حركة الخدمة، بحجة استخدامهم هذا التطبيق، ومن ثم القيام بتعويضهم، إلا أنها اكتفت بإرسال نسخة من هذا الخطاب إلى محاكم الجنايات المختصة في تاريخ 13/07/2017 فقط[7].
وإذا أخذنا في الاعتبار أن السلطات تعتقل يوميًّا كل من نزل تطبيق بايلوك (ByLock) من جوجل بلاي أو آب ستور على هاتفه الشخصي يتبين حجم المظالم التي تسبب فيها هذا الخطأ إن لم يكن متعمدًا!
وبعد ظهور هذا “الخطأ” أقبلت المحاكم المشرفة على قضايا الانقلاب الفاشل على إصدار قرارات الإفراج عن آلاف المعتقلين والمعتقلات بتهمة استخدام هذا التطبيق، وأوضحت السلطات أن هناك حوالي 12 ألف شخص تم اعتقالهم بالخطأ![8]
الصحفيون الباحثون في حقائق الانقلاب في السجون
أضف إلى ذلك أن الكاتبة الصحفية سالفة الذكر “أجا سافيم أوزترك” أكدت في برنامج تليفزيوني على قناة كي آر تي “KRT” أنها كشفت أمرًا صادمًا جدًا عندما كانت تتصفح الموقع الإلكتروني الخاص برصد حركات الطائرات في تركيا، حيث اطلعت على أن طائرة عسكرية تابعة لقادة القوات العسكرية ورئاسة الأركان هبطت في 14 يوليو/ تموز 2016، أي قبل يوم من الانقلاب الفاشل، في بلدة دالمان التي كان أردوغان يقيم في فندق بها في تلك الليلة، وتبين أن الطائرة ظلت هناك 5 ساعات. وذكرت الصحفية أن أردوغان خرج في ذلك اليوم من المنتجع الذي يقيم فيه وتوجه إلى خليج دالمان، وتساءلت عما إذا كان جرى لقاء بين أردوغان والقادة العسكريين في ذلك اليوم أو لا، مؤكدًا على ضرورة الكشف عما دار بين أركان الحكومة والجيش في اليوم الذي سبق الانقلاب الفاشل حتى يمكن إماطة اللثام عن ملابساته[9].
وكان “سركان يازيجي”، صاحب الفندق الذي أقام فيه الرئيس أردوغان ليلة الانقلاب، قد أفاد أمام لجنة التحقيق البرلمانية أن أردوغان خرج من الفندق في 14 يوليو/ تموز 2016، أي قبل يوم واحد الانقلاب، متوجها إلى خليج دالمان[10] حيث هبطت فيه الطائرة العسكرية التابعة لقادة القوات العسكرية وظلت هناك 5 ساعات [11].
أثارت استنتاجات الكاتبة الصحفية جدلاً واسعًا في تركيا، مما دفع مجموعة من الكتاب والصحفيين إلى توجيه دعوة للرئيس أردوغان بالكشف عما حدث في بلدة دالمان قبل يوم واحد من الانقلاب الفاشل، وعن مهمة الطائرة العسكرية الخاصة بقادة القوات المسلحة هناك، وما دار بينه وبين قائد أو قادة عسكريين إذا كان جرى لقاء بين الطرفين. ومن ثم أقدمت السلطات في أعقاب هذه الاستنتاجات الصادمة إلى اعتقال الكاتبة الصحفية والزج بها في زنزانة منفردة!
الجنرالات المتهمون بـ”تدبير الانقلاب خشية الإقالة” كانت تنتظرهم ترقيات!
كان أردوغان زعم في تصريحات أدلى بها ليلة الانقلاب الفاشل في 15 تموز / يوليو من عام 2016 قائلاً: “إن اتخاذ مثل هذه الخطوة (الانقلاب) قبيل عقد مجلس الشورى العسكري مطلع شهر أغسطس/ آب المقبل (2016) له دلالته؛ فالبعض توقعوا ما سيحدث في هذا الاجتماع (من تصفية)، فبادروا إلى الإقدام على مثل هذه الخطوة”، وأضاف: “هذه المحاولة لطف كبير من الله من أجل تطهير القوات المسلحة من العناصر التي من المفترض أن تكون خالية ونقية منها أصلاً”.
وفي السياق ذاته كان أردوغان قال في مؤتمر صحفي: “حمدًا لله على أننا تمكنّا بفضل 15 يوليو/ تموز 2016 من اتخاذ خطوات وتنفيذ أمور لم نكن لنقوم بها في الأوقات والظروف العادية!”[12].
لكن تبين أن الأغلبية الساحقة من الضباط والجنرالات الذين زعم أردوغان أنهم أقدموا على الانقلاب “خوفًا من تعرضهم للتصفية” أو “إحالتهم إلى التقاعد رغمًا عنهم”، كان سيتم ترقيتهم في اجتماع مجلس الشورى العسكري القادم لو لم يحدث ما يسمى بالانقلاب الفاشل، وذلك وفق تقرير رسمي تم إعداده بعد سنة من وقوع الانقلاب.
التقرير الذي أعده رئيس قسم تخطيط وإدارة شؤون الموظفين في الجيش الجنرال “نيرم بتلسيسلي أوغلو” بطلبٍ من النيابة العامة في أنقرة وتكليفٍ من رئاسة هيئة الأركان العامة في عام 2017 باعتباره “خبيرًا” في هذا الموضوع، يفند تمامًا مزاعم أردوغان حول مبادرة الضباط والجنرالات المتهمين بالانتماء إلى حركة الخدمة إلى الانقلاب لمنع تصفيتهم.
ومن اللافت أن الجنرال بتلسيسلي أوغلو الذي أعد التقرير سبق أن تم حبسه في إطار قضيتي تنظيم “أرجنكون” و”المطرقة الثقيلة” الانقلابيتين، ثم خرج من السجن بفضل تعديلات قانونية أجرتها حكومة أردوغان في 2014 وعاد إلى الجيش مرة أخرى وتم ترقيته إلى رئيس قسم تخطيط وإدارة شؤون الموظفين في الجيش بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. بمعنى أنه لا يمكن لأردوغان أن يوجه إلى الجنرال بتلسيسلي أوغلو تهمة الانتماء إلى حركة الخدمة لإسقاط حجية هذا التقرير!
وورد في مذكرة اتهام النيابة العامة في أنقرة الخاصة بقيادة القوات البرية والتي تستند إلى تقرير الجنرال بتلسيسلي أوغلو ما يلي: “بعد فحص الملف الذي أعده أعضاء منظمة فتح الله كولن في الجيش حول أعمال مجلس الشورى العسكري لعام 2016 تبين أن الأغلبية الساحقة من ضباط وجنرالات هذه المنظمة المقررة ترقيتهم في اجتماع الشورى شاركوا في محاولة الانقلاب”.
وهذا يدل صراحة على أن معظم الضباط والجنرالات الذين تم اعتقالهم بتهمة مشاركتهم في الانقلاب كان من المقرر ترقيتهم إلى مناصب عليا ناهيك عن تصفيتهم، ويسقط ذلك تمامًا مزاعم أردوغان التي تقول: “البعض توقعوا ما سيحدث في هذا الاجتماع من (تصفية)، فبادروا إلى الإقدام على مثل هذه الخطوة”.
أما الزعم بأن أعضاء حركة الخدمة من الممكن أن يكونوا نفذوا الانقلاب دون أن يعلموا بقرارات ترقيتهم فباطل لا يعكس الحقيقة، ذلك لأن الجنرالات الذين أعدوا قائمة أسماء الضباط والجنرالات المزمع ترقيتهم، وفي مقدمتهم رئيس قسم تخطيط وإدارة شؤون الموظفين الجنرال “إلهان تالو” وقادة القوات البرية والجوية والبحرية، تم اعتقالهم أيضًا بتهمة المشاركة في محاولة الانقلاب والانتماء إلى منظمة فتح الله كولن.
انقلاب صوري لإنشاء جيش يتوافق مع مشروع أردوغان!
وليس هذا فحسب، فإن تقرير الجنرال بتلسيسلي أوغلو المقدم إلى نيابة أنقرة يكشف أن 76% من العسكريين الذين تم ترقيتهم إلى درجة جنرال في عام 2014، و78% من الذين تم ترقيتهم إلى درجة جنرال في 2015 تم تصفيتهم من الجيش بعد محاولة الانقلاب. ثم يعلق التقرير قائلاً: “لو لم تنطلق حركة التصفية الشاملة بمناسبة وقوع محاولة الانقلاب في 2016 لكان قادة جميع قوات الجيش التركي من أعضاء منظمة فتح الله كولن بحلول عام 2020 في حال اعتماد نظام الترقية الموجود”، بحسب ما ورد في صحيفة (يني عقد) الموالية لأردوغان[13].
هذا التقرير الذي أعده جنرالٌ لا يمكن لأحد أن يجرؤ على إلصاق تهمة الانتماء إلى منظمة فتح الله كولن به نظرًا لتعيينه بعد محاولة الانقلاب وحبسه سابقا بتهمة الانتماء إلى تنظيم أرجنكون، كما أنه يكشف صحة عكس ما يزعم أردوغان؛ إذ ليس هناك أي داع ليقْدم جنرالات يعلمون قرارات ترقيتهم ويعلمون أن كل القيادات ستكون بأيديهم بحلول عام 2020 على الانقلاب لكي يسيطروا على الجيش، كذلك يكشف أن أردوغان من دبر انقلابًا صوريًّا على حكومته مع حلفاءه من تنظيم أرجنكون الموالي للمعسكر الأوراسي والإسلاميين الموالين لإيران لتصفية الجيش التركي العضو في حلف شمال “الأطلسي” وإنشاء جيش جديد يتوافق مع أهواء هذا التحالف الثلاثي.
“قمنا بتصفية 30 ألف جنرال/جندي أطلسي”
التصريحات الصادمة التي أدلى بها زعيم حزب الوطن القومي الطوراني “دوغو برينتشاك” المحكوم عليه سابقًا في قضية أرجنكون في اجتماع عقده مع كبار المسئولين الإيرانيين في طهران حول التصفيات الشاملة في الجيش وأجهزة الدولة الأخرى تكشف الصورة كاملة دون نقص؛ إذ أعلن أنهم مَنْ أعدوا قوائم الأسماء التي تمت تصفيتها وأنهم استطاعوا تصفية “30 ألف جنرال/جندي كانوا موالين للناتو” بعد الانقلاب الفاشل[14]. بمعنى أن برينتشاك أعلن من “إيران” أنهم قاموا بتصفية الجنرالات والضباط الأتراك الموالين للناتو بعد هذا الانقلاب المدبر بفضل لافتة “جريمة الانتماء إلى منظمة فتح الله كولن..” الجاهزة من جانب، ويفتخرون من جانب آخر بأنهم عينوا مكان المعرضين للتصفية الجنرالات والضباط الموالين للمعسكر الأوراسي[15] بعد أن حكم عليهم في إطار قضية أرجنكون بتهمة التجسس العسكري وتسريب وبيع “الوثائق السرية للأمن والجيش التركي، إلى ستّ دول بينها إسرائيل واليونان”[16].
كل هذه الحقائق تضطرنا إلى الشكّ في رواية السلطة الحاكمة عن الانقلاب والتساؤل “لماذا تصر السلطة بقاء الستار المظلم على هذا الانقلاب وتخاف من ظهور ملابساتها؟” من جانب؛ ومن جانب آخر إلى البحث عن معلومات بديلة تقدمها أجهزة استخباراتية ومؤسسات أبحاث دولية، وصحفيون استقصائيون يعملون على الساحة دون خوف، بالإضافة إلى اعترافات تتسرب من أفواه المسئولين، وفي مقدمتهم الرئيس أردوغان وكبار المسئولين الحكوميين، وإفادات عسكريين متهمين بالانقلاب، لكي نحصل على صورة كاملة تكشف حقائق هذه المحاولة الغاشمة والمجرمين الحقيقيين الذين يقفون وراءها.
مفهوم “الانقلاب الذاتي” وأردوغان
“الانقلاب الذاتي” من المفاهيم التي قد تساعدنا في فهم أبعاد “الانقلاب الفاشل” أو “الانقلاب المدبر” على حد تعبير المعارضة التركية. يعرف الكاتب “بروس. و. فاركا” “الانقلاب الذاتي” (Self- coup) بقوله: “يُطلق مصطلح الانقلاب الذاتي على انقلاب يقوده الجالس على قمة هرم السلطة في أي بلد ضد نفسه من أجل توسيع صلاحياته بصورة مخالفة للدستور المعمول به”
في حين أن الكاتب “باول بروكر” يلخص مهمة الجيش في أثناء هذا النوع من الانقلابات قائلاً: “يتظاهر الجيش وكأنه يستولي على السلطة في البلاد حين يقدم دعمه لزعيم يسعى إلى بناء نظام رئاسي شعبوي في نهاية المطاف من خلال تدبير انقلاب ضد نفسه. لكن ما فعله الجيش في الواقع هو أنه يصبح شريكًا في الجريمة مع هذا الزعيم الذي يسيء استخدام منصبه وسلطته قبل اندلاع الأحداث وبعده”.
ونرى تفصيل ذلك عند الكاتب “كارلسون أنيانغو” حيث يقول: “في مثل هذه الظروف التي يحاول فيها الزعيم الأعلى حبك انقلاب ضد شخصه، تحصل السلطة الحاكمة على صلاحيات فوق الدستور، فتغيّر شكل النظام المطبق تمامًا، وتقود البلاد إلى نظام جديد مختلف كاملاً، وذلك بدعم سري أو علني، وأعمال تحريضية يقوم بها الجيش. لكن ما يحدث في الأصل هو إسقاط السلطة الحاكمة للنظام الدستوري القائم وإحلالها نظامًا دستوريًّا جديدًا. ويُطلق على هذا الوضع مصطلح ’الانقلاب الذاتي‘ أحيانًا”.
يلفت كارلسون أنيانغو بعد ذلك الانتباه إلى نقطة مهمة إذ يقول: “في نهاية كل انقلاب ذاتي تظهر تلك النزعة التالية: كل الانقلابات الذاتية تحمل في طياتها بذور انقلاب جديد مضاد أو تمرد موسّع، يطيح في نهاية المطاف بالشخص الذي نظّم هذا الانقلاب الذاتيّ، ويعيد تأسيس النظام الدستوري السابق”.
أليست هذه السطور صورة قلمية لأردوغان وانقلابه على ذاته مع حلفاءه لتوسيع سلطاتهم وفرض قبضتهم الحديدية على الدولة والمجتمع المدني في آن واحد؟!
في ثنايا هذا التقرير ستجدون بصمات مؤامرة كبيرة دبرتها السلطة الحاكمة على ذاتها مع حلفائها من القوى الفاعلة في المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات، ومن ثم ألصقت الجريمة بمنظمة مجتمع مدني – حركة الخدمة – بعد أن قادت دعاية سوداء ضدها على مدار ثلاث سنوات وشوّهت سمعتها وحوّلتها إلى هدف ووجهت الجماهير الغاضبة للهجوم عليها، وذلك من أجل ترسيخ أركان النظام الدكتاتوري الذي بدأ أردوغان تأسيسه منذ عام 2011 واكتملت عملية تأسيسه رسميا بعد إجراء الانتخابات الرئاسية في 24 حيزران المنصرم.
المصدر: جريدة زمان التركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.